يوميات مسافر – 6 –

الحلقة السادسة : رحلتي إلى بلاد السند و الهند

استيقظت و بحثت عن شيء جديد , أو منظر يدل على أنني في سفر , فتحت عيني على جدران الغرفة و بانت لي عيوبٌ أكثر . بحثت عن هواء نقي , فلم تفلح كل محاولاتي . بحثت عن منظر يسر فيعود بصري خائباً و هو حسير. فقررت القرار الذي لا مفر منه . لملمت أغراضي فوضعتها كيفما اتفق في حقيبتي , ثم وضعتها في زاوية من الغرفة حتى أكون مستعداً للخروج من الفندق بعد العودة من العمل , انسحبت من الغرفة و من خلفي ستارة النافذة ترفرف فكأنها تدعوني لأنظر إلى المطل بوضح النهار فلعل الأمر يكون قد تغيير , لم آبه بتلك الدعوة…خرجت و بدون أن ألتفت لرفرفة الستارة , لقد اتضحت لي الرؤيا مع الصباح , و بانت الزوايا في الفندق , و برغم أن أشعة الشمس تسللت إلى كل زاوية , و لكن بقي الكثير منها كئيبة و كأنها لم تتخلص من لباس الليل الكئيب.. و رائحة أنفاس الناس الذين عاشوا في هذا المسكن . حتى أشعة الشمس التي كنت أنتظر منها أن تتسلل إلى بصري لتنير جوانبه كانت قاتمة …فكأنها تسللت إلى المسكن مكرهة . نزلت عبر المصعد و أزيز حباله يئن من أثر السنين . صمت رهيب يجعل ضربات قلبك هي الصوت الأعلى في هذا المكان . فتح المصعد أبوابه معلناً وصولي إلى صالة الأستقبال , وجدت صاحب المكتب في انتظاري كما تواعدنا من قبل , نظر إلى ساعته و قال : لقد أتيت بالوقت المحدد و بالضبط . ثم أتبع ذلك بابتسامة , و رحب بي فكأنه يراني أول مرة . فلعل نور النهار جعله يكتشف صاحبه من جديد . كانت خطواتي تتجه إلى البوابة الخارجية , و لكنه استوقفني وقال : إن الفطور من ضمن الإيجار , و لعلنا نتناول الإفطار ثم نباشر العمل , كنت على يقين أن الإفطار لن يقل عن حال الفندق . لذا قلت له : أنني يهمني العمل قبل كل شيء و الإفطار قد نتناوله في أي وقت , و لكنه قال : أنني طلبت الإفطار قبل نزولك..فيحسن بنا أن نتناوله . أتى الإفطار ..فكان عبارة عن سندوتش بيض , مع كوب شاي . فقال صاحبي : أبدأ الإفطار فأمامك اليوم عمل شاق . تحت إصراره و إصرار عصافير بطني , و عزمي أن تكون هذه الوجبة هي الوحيدة من وجبات يومي . تناولت تلك السندوتش على مضض – و نحمد الله على نعمه – . و ذلك ليقيني رغم عدم مشاهدتي أن مافي المطبخ من النظافة أسوء من سوء نظافة الغرف . ترتفع الحموضة عندي بتوفر ثلاث ظروف , السهر , و الروائح الكريهة , و الطبخ المغرق بالزيوت . فكانت الحموضة في ذلك اليوم حاضرة و بالدرجة الكاملة . لم يدم الإفطار أكثر من خمس دقائق ,نفضت يدي و استعجلت صاحبي , فقال : لعلك تشرب كأساً آخر من الشاي . فقلت له : العمل أولاً . فعرف و فهم أن شعاري ” لا تنازل هذه المرة ” .
خارج الفندق النسمات رقيقة , و الجو عليل . و رطوبتها تنزل في الرئة فتنقيها من كل شائبة ..فتزيد من همتي لإنهاء أعمال أكثر من المقررة في ذلك اليوم . الطريق من الفندق إلى وسط إسلام أباد أستغرق ما يقرب النصف ساعة . بدأ حديثه معي في الطريق بسؤال منه عن ليلة البارحة , و هل نمت بقدر كافي , فكان الجواب الذي انهمرت حروفه.. فكأني أنتظر مثل هذا السؤال فهي فرصة سانحة , أن أشكي له حالي و همي . و عدم وصول النوم إلى أطراف عيني . ثم لم أدع له مجال لأن يمسح دمعة الحزن التي أبديتها من خلال شكايتي بمواساتي بكلمات . فقلت له : و مباشرة أريدك أن تكلم الفندق بأنني سوف أخلي الفندق هذا اليوم . و أتمنى أن تبحث لي عن فندق من فنادق الدرجة الأولى . و لكن يظهر أن طلبي لم يروق له بالشكل الكافي . فقال : نتكلم بهذا الموضوع عندما ننهي أعمالنا في وقت لاحق . قلت أخشى أن نأتي في المساء فيكون اليوم محسوب. فقال لا إشكال إنني أعرفهم. أقنعت بقوله . ثم غيرت مجرى الحديث إلى خطتي لأعمال ذلك اليوم , و التي أمليتها له من قبل أن آتي إلى باكستان .و صلنا طرف البلد . ثم دخلنا في حواري صغيرة , فكأنما صممت تلك السيارة من أجلها , فتكاد أن تلامس المرآتين أطراف جدران ذلك الطريق . و عندما يزداد الطريق ضيقاً يلتصق المارة بالجدران , أو يبحثون عن فتحات الأبواب . من أجل أن يمر أحدهما . كانت البنايات على الأطراف عبارة عن بلك بدون تسليح . أو طينية قديمة . وقفنا بجانب عمارة ذات طوابق متعددة تعتبر أفضل العمائر في ذلك الحي . فصعدنا إلى الدور الثاني حيث يكون مكتب صاحبنا . في مكتب صغير مقسم إلى مكتبين فقط . يفضي الثاني إلى الأول . جلست على كنب يشتكي من ظلم الذين مروا عليه . فقد أوهنوا عظامه بثقل أجسامهم . و مارسوا هواياتهم بالنقش على أطرافه , أو الكتابة على جلده . جلس صاحبي أمامي فقال : ماذا تريد أن تشرب ؟ كان جواي الذي أعددته من قبل ..شكراً . لا أحبذ الإكثار من المشروبات . و لكنه لم يمهلني لأعلل أو أعتذر . فقط ضغط على جرس الخادم الذي يعمل لديه بالمكتب . فسمعت الباب يفتح . و كعادة الغريب يُلفت انتباهه أي حركة من حوله . انتقلت إلى لأنظر إلى مصدر الصوت  . فوجدت صبياً في العاشرة من عمره . عليه ثيابٌ متسخة , و شعرٌ أشعث و من أحد جوانبه قد أكله مرض الثعلبة – فالحمد لله الذي عافانا مما أبتلاه به – فأقشعر جلدي من منظره , و رق قلبي لحاله , و تحجرت دمعة في عيني من سوء وضعه . ابتعدت كثيراً بتفكيري و تأملت كثيراً حال هذا الصبي . تقدم الصبي بخطوات بطيئة مليئة بالفزع و الخوف . ثم تابع حديثه مع صاحب المكتب بلغة و بلهجة لا أعرفها. فأطرق صامتاً صاحب المكتب ثم قال : إن الصبي يسألك ماذا تشرب ؟ …و للحديث بإذن الله بقية

نسيم نجد
www.naseemnajd.com

عن سليمان الصقير

محب للسفر والترحال : مؤلفاتي : 1- 800 خطوة لرحلة سياحية ممتعة 2- 150 طريقة ليصل برك بأمك 3- أمي أنتِ جنتي 4- بنيتي لكِ حبي 5- مذكرات مدمن إنترنت

شاهد أيضاً

يوميات مسافر – 7 –

 الحلقة السابعة : رحلتي لبلاد السند و الهند لقد شربت من كأس النصب و التعب …

تعليق واحد

  1. ننتظر البقية إن شاء الله

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.