شركاؤنا في التربية
يقول دجون روشتر ( قبل الزواج كان لي ست نظريات حول تربية الأطفال , و الآن عندي ستة أولاد و ليس لدي أي نظرية )..أخوتي…إن مسألة تربية الأبناء قد تكون سهلة نظرياً . و إن التبسط في مسائلها , و الخوض في أصولها و فروعها , و الحديث عن مبادئها , و عرض جزئياتها قد يتقنه الكثير من القائمين , و المهتمين , و الدارسين لهذا الأمر , أو حتى العامة من الناس. و لكن عندما ننزل إلى أرض الواقع نجد أن الواقع أكثر صعوبة , و الأمر أشد و أبعد مما نتخيل , فنجد أن المشهد الذي كنا نلمسه بأيدينا أصبح ضبابياً . و نجد أن النظريات التي درسناها , أو تعمقنا في فهما , أو استنباطها قد تفيدنا في حالات , و قد تخفق في حالات أخرى من مسائل التربية . فهنا تقع الحيرة في قلوبنا , و يساورنا قلقل عظيم على حياة من حولنا . لذا كيف نتحرك في عالم مليء بالمتغيرات ؟..و كيف نوازن بين الواجبات و المندوبات ؟!..و كيف نستطيع أن نحكم بين المهم و الأهم ؟!.. و كيف نطبق نظرية من نظريات التربية في مسألة , ثم نعتبر نفس النظرية خطأ فادحاً إن طبقناها على مسألة تختلف معها في جزئية بسيطة . إنها مسألة تحتاج إلى الكثير من التعمق بالفهم , و تحتاج إلى الكثير من التوازن و التأني . و تحتاج إلى إنسان متجدد مع عصره , و متجدد مع نفسه و متغيرات بيته و أبنائه و بيئته . بالأمس القريب كانت التغيرات تسير ببطء , و اليوم نصبح بشأن و نمسي بشأن آخر . و كل هذه التغيرات تمسنا من بعيد أو قريب , و كلها تلمسنا و تتحسس الطريق إلى بيوتنا . إن الوالدين أصبحا بحيرة من أمرهما , و بتفكير دائم بكيفية السيطرة على هذه التغيرات و التعامل معها , أو كيفية تحويلها من تغيرات سلبية إلى تغيرات إيجابية , أو على أقل تقدير أن تكون تلك التغيُرات غير مؤثرة . فعندما ننظر إلى حياة اليوم نجد أن الأبناء وقعوا تحت تأثير و أنظار شركاء التربية رضينا أم أبينا . فالفضاء البعيد أصبح يقتسم نصيبه من أبنائنا , عبر فضائياته التي تتوالد باليوم و الليلة , و وسائل الاتصال بدأت تخطوا خطوات سريعة نحوا تقديم خدمات أكثر عبر أجهزة أصغر بسعر أقل , و هم بسعي حثيث للوصول للجميع الصغير و الكبير و بغض النظر عن مدى تأثيرها أو بأي وسيلة سوف تستخدم تلك الوسائل , فتجار الاتصالات يعتبرون أنه ليس من مهامهم الإبطاء من سرعة عجلاتهم من أجل أن أهل الشأن من التربية لم يقدموا حلول عملية سريعة للحفاظ على أفراد الأسرة , و ليس لديهم وقت للحوار من أجل بحث هل من المصلحة أن تقدم أو تقنن أو تأخر وسائل التقنية أم لا . و أنا كذلك لا أدعوا لهذا الأمر أو أدعو بمقاطعتها . هذا جانب من الجوانب و هو جوانب التقنية المؤثرة بأبنائنا , و تبقى جوانب أخرى مؤثرة من المؤثرات التي تفرضها المعيشة بالبيئة و الاختلاط بالمجتمع , فليس من المعقول أن يعيش المرء وأبنائه وسط زجاجة مفرغة من أجل أن يتحاشى التأثيرات المحتملة , فبنظرة سريعة لشركاء التربية من المجتمع نجد أن المدرسة لها نصيب , و الأقارب لهم دور , و أهل الحي لهم قسمة معلومة , و الأصدقاء لهم موضع قدم , و كلٌ يعمل على شاكلته إما بالهدم أو البناء .فأصبح أمر تربية الأبناء غاية بالمشقة و الصعوبة , فأصبحنا في سباق مع من حولنا وقد علقنا شعاراً ” من يصل أول يكسب أكثر ” ..فأصبح الأمر مرهقاً .مع كل هذه الضغوط حري بنا أن نعيد رسم خارطة التربية , و أن ننزل المتغيرات الجديدة على منهاج النبوة , و أن ندرس السيرة و نفهمها حق الفهم .فنبدأ بخطوات و أهمها الدعاء لهم في كل وقت , و بناء سد حصين لأفراد الأسرة بوجه المتغيرات المتوقعة عبر التوعية المستمرة . و تفعيل الرقابة الذاتية , و تشجيعهم على اتخاذ القرارات المناسب في حياتهم , و مساعدتهم بالطرق السليمة لبناء القرار دون أن نقدمه لهم حلولاً مغلفة كاملاً جاهزاً . و أيضاً يحسن بنا مواكبة التغيرات التي تستجد من حولنا و عدم إيجاد فجوة حضارية بينا و بينها و بين الواقع و المرغوب .و هناك أمر مهم و هو اتخاذ أسلوب الحوار و الإقناع كأسلوب أمثل للتعامل مع الأبناء , و تشييد جسور من الثقة بيننا و بينهم , و بناء رباط متين من العلاقة الأخوية مع مجتمعهم الخاص, أيضاً تلبية احتياجاتهم , و التكيف مع متطلباتهم و احتياجات عصرهم بدون إفراط أو تفريط , و التعامل معهم بعيداً عن أسلوب المقارنة بين عصرنا و عصرهم فلكل زمان رجال و دولة . وإتباع طرق جديدة بالتربية بحسب كل مرحلة عمرية , فمرحلة الطفولة لها تعامل خاص , ومرحلة المراهقة و الشباب لها طريقة تناسبها , و مابعد الزواج لها طريقة أخرى , مع التنبه لحالات الانفلات عند الانتقال من مرحلة إلى مرحلة . كما يجدر التنويع في طرق التربية و طَرق كل باب , و عدم اليأس عند عدم الوصول للهدف بالوقت المأمول…و في الختام نسأل الله التوفيق و السداد و الصلاح لنا و لهم ..
نسيم نجد