شتاء قاسي, وحديث دافئ

شتاء قاسي,  وحديث دافئ

 

أيام الشتاء في أوربا طويلة ومملة, فمنذ أن يلفظ شهر أغسطس آخر أيامه, فإن كل شي يتغير ويتبدل ويتحول , الأشجار تنفض أوراقها, فتتلقفها الأرض, والسماء تزيح ثوبها الأزرق و تلبس ثوب السحب الداكن, السحب الكثيفة تنذر كل لحظة بأمطار غزيرة, الليل والنهر يتعاقبان وهما يفقدان أهم ما يميزهما,  أشعة الشمس وضوء القمر, فيكون الليل والنهار متشابهان لدرجة كبيرة , إلا أن النهار أكثر وضوحاً من الليل, خرجت مع صديقي القطري الذي تعرفت عليه هناك, و كنت متلفعاً بأنواع من الملابس لأتقي شر ذلك البرد, ولا يظهر مني إلا بصيص من عيني أتلمس فيه خطوات أقدامي مخافة أن تزل القدم على أرض تغطيها الثلوج, بيدي يمسك صديقي, وكأننا نستمد الدفء من بعضنا, قال لي : ونحن نسير في الطرقات تعلم يا أخي أني مبتلى بالتدخين, فهززت رأسي بمعنى أنني أعلم ذلك, و لم ينتظر مني جواباً بل تابع حديثه مسترسلاً فقال : وأريد منك مساعدتي على تركه, قلت هل حقاً تريد ذلك , قال : نعم, قلت : نصيحتي لك أن لا تتركه, أحسست أن يد صديقي انسلت من بين أصابعي, وأحسست أن من كان يسير بجانبي قد فُقد . وقفت ثم استدرت بكامل جسمي أنا وأكوام الثياب معي, فنظرت إلى بعد خطوات من الوراء, فوجدت صديقي مندهشاً, ولا يظهر منه إلا البخار الذي ينفثه من شدة الأجواء, قلت له مالك أخي ؟! لماذا توقفت؟! قال : هل أنت تعي ما تقول !!.. قلت : نعم , قال :أمرك غريب يانسيم, قلت تعال يا أخي , جاء وعلامات الدهشة تملأ وجهه , قلت صبرك علي يا أخي, أنت قلت أنك تريد أن تترك التدخين, وأنا أقول لك قرارك خاطئ, فتح عينيه وفمه أكثر من قبل, فقلت دعني أكمل ياصاحبي,  أنت لا تريد أن تترك التدخين و أنا أريد أن تقلع عنه نهائياً, لذا أن اتخاذك هذا القرار وأنت في الغربة , وترافق أخاك المريض والذي يزداد كل يوم ألماً و شدة في مرضه أعتبره قرار غير صائب, لأن نفسيتك , و وضعك لن يساعداك في المضي في هذا القرار, ولأن اتخاذ مثل هذا القرار يحتاج إلى نفس مطمئنة مستقرة غير مضطربة متزلزلة تعصف بها أي ريح بسيطة, فهنا أي هزة سوف تجعلك تعود مرة أخرى إلى التدخين, بل سوف تقطع حبل الرجاء نهائياً بالإقلاع عنه, وأخاف عليك أن تعتبر هذه التجربة الفاشلة هي حاجز أمامك في مستقبل أيامك للإقلاع عن هذا الداء العضال, لذا عليك أن تختار وقت أنسب, و تمضي بقوة وثبات بدون أن تؤثر عليك عوامل خارجية , صديقي إن أغلب قراراتنا التي نتخذها بسرعة وتحت وقع مؤثرات معينة, تكون بالغالب نتائجها عكسية, وثمرتها التي نتطلع أن نستطعمها و نتلذذ بحلو مذاقها, تكون مرة بائسة فتنغص علينا الكثير من أمور حياتنا .
أخي إن القرار يحتاج إلى بيئة مناسبة,  ومناخ ملائم, ووقت للتطبيق موافق, إن المرء عندما يتخذ قرار وهو في ظرف عصبي,  أو تحت مؤثر عاطفي,  أو انفعال معين, لن يكون هو القرار المناسب بالتأكيد.
لذا يا أخي, نحتاج أن نستشير بعض صحبنا,  أو ممن يتوافق معنا في تفكيره , عند مرورنا بمثل هذه الظروف, أي أننا بمعنى بسيط نستأجر عقله الذي لم يقع تحت تلك المؤثرات لكي يعطينا رأيه , والذي هو بحقيقة الأمر رأينا في حالة استقرارنا,  وذلك لتشابهنا في طرق التفكير من قبل وإعجابنا بنمطية اتخاذ القرار .

نسيم نجد

عن سليمان الصقير

محب للسفر والترحال : مؤلفاتي : 1- 800 خطوة لرحلة سياحية ممتعة 2- 150 طريقة ليصل برك بأمك 3- أمي أنتِ جنتي 4- بنيتي لكِ حبي 5- مذكرات مدمن إنترنت

شاهد أيضاً

السفر وقفات و إضاءات

أخوتي و أخواتي الأفاضل.. هذه محاضرة ألقيتها عن السفر عدة مرات خلال هذه الأجازة, و …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.