رحلة نسيم نجد في صحاري نجد…بين الخزامى و النفل ( 3 )

اليوم الثاني للرحلة


في صبيحة اليوم الثاني …وفي الطريق السريع المتجه إلى الدمام….أشارت اللوحة الإرشادية…أن الطريق المتجه للثمامه يأخذ المنحنى الأيسر…أربع سيارات أمريكية ( صناعة أمريكية !! ) … تتجه إلى الطريق المؤدي إلى الرياض و الفياض المحيطة بمدينة الرياض…الرحلة مرتبة وموزعة على أماكن الربيع القريبة …أول المراحل هي روضة الخفس التي تبعد عن الرياض قرابة الستين كيلوا …هي موقعنا الأول و مبتدئ رحلتنا حيث عزمنا أن نتناول الفطور هناك ….وصلنا إلى هناك و إذ بأرض الصحاري بعد الأمطار..تحولت إلى رياض خضراء…..فكأنما غطيت ببساط أخضر …

 

الكل متلفلف بماثقل من الملابس و الفراء…. التي قد تصد بعض البرد الذي يلف الأجواء تلك الأيام…ولكن لا تقي من برده القاسي …طلب الوالد الكريم أن… نبدأ بعلوم الرجال…
طبعاً معروفة …النار المشتعلة…القهوة المزعفرة….الشاي المزنجل….التمر المضمود…كلاً منا اتجه في اتجاه…تفرش المفارش…. توقد النار….تصنع القهوة….أما الصغار فذهبوا في كل اتجاه لالتقاط مأنبتت الأرض من العراجين ( بعض أنواع الفطر التي تنبت بالأرض …وهي تنبت من الأرض بعد هطول المطار و هي نتاج للبروق التي تتساقط من السماء و تخترق الأرض )….

وبعد وجبة الفطور اتجهنا إلى شعيب الشوكي ….الذي عرفنا من قبل ممن زاروا ذلك المكان ….أنه زان منظره و طابت رائحته و لبس أجمل حلة….و في طريقنا إلى ذلك المكان …مررنا بالمراعي و الرعاة ….من أصحاب الغنم و أصحاب الإبل….

 

حيث تبد على وجوه رعاة الغنم ابتسامة الرضى من الحياة ….و إن كانت الحياة عليهم قاسية …فرعاة الغنم يُعرفون بلين الجانب ….و طيب الخلق…. و سعة الصدر…. وهي مهنة الأنبياء عليهم الصلاة و السلام …..أما رعاة الإبل…. فهم أشد قسوة…. و أكثر شدة ….و أغلظ نفساً…. اُكتسبت كل تلك الصفات من تعاملهم مع الإبل…. ومن قسوتها …و غلظتها ….و شدتها….رغم ذلك فهم على بلاء الزمان صابرون و… على نوائب الدهر متحملون…يستقبلون الحياة كل صباح بابتسامة تزرع في نفوسهم السعادة…. و تنشر في أرواحهم الطمأنينة….يقلب بصره بين خضرة الأرض ….وصفاء السماء….و أزهار الربيع…فتتحول كل الشدائد بأذن الله إلى سعادة….. و حينما يحين المساء و تنقلب زرقة السماء إلى سواد كاحل …و تتزين السماء بنور القمر …ينتظر بفارغ الصبر ….أن يحين وقت صلاة العشاء فيؤدي فرضه…فينام قرير العين بعد أن أدى حق العباد ورب العباد….


 مضينا في طريقنا وكل المناظر تشدنا إليها وصوت الحادي الذي ينبعث من المسجل …يبعث صوته الشجي في كل مكان …فتطرب الأسماع …و تستمتع العين…. و يصفو الذهن….و نتقلب بين المشاهد… مناظر الخضرة ….تغريد الطيور….رائحة الزهور….

 

و نبحث عن مكان نطوي فيه جوعتنا ….و نتناول فيه وجبتنا ( الغداء ) ….فكلما نشاهد أرض مخضرة ….تتوق أنفسنا لأجمل منها….. نريد أن نجمع الماء و الأرض المخضرة و ظل الشجر و تنوع الزهر و هدوء المكان….. فإن كان ذاك المكان أعجبنا …فنحن متأكدون أن الفاأ يخبئ أرضاً أجمل….نتنقل بين قيعان الوديان و رؤوس التلال …وكل ارض تنادينا أن هلموا إلينا ….

 

مشيت في رمضا وسندت بهضاب
وعارضني سيول وهبت هبايب
حتى استقر بنا المقام…ببطن الوادي …تحت ظل شجرة…أرضها منبسطة….زهورها متنوعة…أقحوان…خزامى…قريص….يهب عليها نسيم نجد فتتراقص بطرب…و تتمايل بتبختر…. بألوان زاهية…صفراء ناصعة….أو بيضاء و تتوسطها حلة صفراء…فتصبح كالقمر وسط السماء …. فيحق لها ذلك…. فهي زهرة في وسط صحاري نجد ….شذا في ارض فلا….عطر أنتشر بعد المطر….

 

 

 

هب نسناس الهوا لي شمال
حامل ريح الخزامى و النفل
فرشنا فراشنا…أنزلنا أغراضنا….تناولنا قهوة الضحى….وعندما أقترب وقت الظهيرة….وبانت على الجميع الجوعة…نادي منادي منَ مِن الصحب يتقن عمل الغداء…فقلت لهم هاأنا ذا….الغداء و مأدراك مالغداء…استدعيت خبرتي…استنفرت قواي…استعنت بعد الله بتجاربي مع القدر الكاتم…و مع مناقل الشواء ….ناديت بأعلى صوتي هل تريدون…مشوي….أو الرز مع اللحم …هل تريدونها مكبوسة….أو….محمرة…..أو مكشنة ….أو بيضاء فقط مع الماء….اختلفوا و أنا أعلم بذلك ….وذلك حتى يتسنى لي عملها بالطريقة التي أنا أريد….

لو رأيتمونا في ذلك المكان…لوجدتم….بعضنا يتناول القهوة…و البعض الأخر….قد أستظل بظل شجرة…..و آخرين قد ألهتهم الكاميرا…فلا يمر في الأرض بجانب شجرة أو زهرة أو طير إلا و يشبعها تصويرا…..

و في السماء لا يطير من طير أو يقبل السحاب و معه الخير أو تنتقل فراشة أو تسقط من ورقة إلا و ينهكها ملاحقتاً حتى يصل لمراده….. و يرضي أحبابه من أصحاب المواقع الإلكترونية التي أشغلت الناس حتى في رحلاتهم البرية …فنسأل الله أن يخفف من حب المحبين…. و أن ينفس من كرب المبتلين بحب تلك المواقع المخصصة للسفر و السياحة….


بالمختصر….تحت الشجر رحال قد استقر به المقام في ظلها و غط في سبات عميق…..هناك مجموعة يرتشفون الشاي و له صوت من بعيد ….و بعض الصحب يكتشفون المكان…. و يتمتعون بالأجواء الجميلة و المناظر الخلابة….والسحاب الذي يتوزع من الأفق إلى الأفق….فتتوارى خلفه سماء زرقاء …و شمس مشعة …تظهر بأشعتها على استحياء…فما تبث أن تختفي كاختفاء العذارى…من الحياء .

 

 

محريٍ بالخير يامزن نشا
ياحلو عقب الوسم رجع السحاب
هل رذاذاك على روض الحشا
ربع يقلبٍ دوامٍ لك شباب
كل زهر فاح عطره واغتشى
بالرياض و بالنفود و بالهضاب

 

 

و يقول الشاعر :
أسافر معك لبلاد و انزل معك في بلاد
ومن غيمة لغيمة ولا للسماء حد

بعدما تناولنا وجبة الغداء….و أدينا صلاة العصر….ركبنا سياراتنا…و توجهنا إلى الفياض و الرياض المحيطة بشعيب الشوكي…حتى وصلنا روضة التنهات…التي حباها الله جمال الطبيعة…..الأرض التي كانت في أيام الصيف قاحلة اليوم تجدها تكتسي بالزهور و الأعشاب البرية ………

 

 

 

وحين اقتربت الشمس من المغيب….عندها توجهنا إلى أرض مناسبة للمبيت….و نحاول أن نغتنم الوقت حتى يتسنى لنا …..إيقاد النار و عمل القهوة و التمتع بمنظر الغروب …و في نظري أن أجمل اللحظات هي لحظات غروب الشمس و شروقها …هي من أمتع الأوقات في البر….فعندما يميل قرص الشمس إلى المغيب و تتلون الأرض بلون الشفق الأحمر…. و تكتسي الزهور بلون جديد….. و يتحول لون العشب بلون الشعاع….فكأن الدنيا كلها ..بطيورها…. و أشجارها…. و أزهارها… و أعشابها…. كأنها تنظر إلى المغيب لتودع الشمس و تستقبل القمر …


القمر الذي كان قرصه مكتمل…فلاح على الأرض بوجهه الجميل…ينظر إلى الدنيا بشعاعه الهادي و وجهه الوضاء….وعندما يظهر باستحياء ….تتحول كل الزهر و الشجر لاستقباله….فهي إن ودعت قرص الشمس المشع فهي تستقبل قرص القمر المنير….


 

انتشرنا في أرض الله ….كما ينتشر الجند في معسكراتهم….فرغم التعب الذي يظهر على البعض….لكن منظر الأرض و اعتدال الجو أكسب النفوس همة و نشاطاً….تتغلب به همة النفوس على تعب الأبدان…..هذا يجمع القش لإيقاد النار….و هؤلاء ينصبون الخيمة الخاصة بالصغار….و ذاك يغتنم الوقت بأصلاح القهوة و الشاي


…وصوت كبار السن من الأباء و الأعمام…يصل إلى الجميع بتوجيهاتهم و تعليماتهم….و صوت شباب اليوم يحاول أن يفرض طرق الرحلات الحديثة على جو المعسكر….فيكون العمل خيطاً من الماضي الجميل و الحديث المقنن….الكل يجهد حتى ننهي العمل قبل المغيب ففيها المتعة…..و لعلنا لم نخسر ذلك السباق مع الزمن….فكان لنا مأردنا…..جلسنا في مجلس تدار فيه القصص الشعبية …و تطرح فيه الأحاجي و الألغاز و تلقى في الأشعار….و فوق ذلك كله ….ما يقال و يستفاد من تعليم الصغار أمور كثار…. مثل آداب الحديث و الإنصات و الحوار و احترام الكبار….وكيفية التعامل مع المواقف الحرجة في الصحراء …مع تعليمهم بعض الأشياء الضرورية من أعمال القهوة و الطبخ …و عندما اختفى آخر أشعة الشمس خلف الأفق ….صاح بالكون منادي الصلاة…فياله من صوت جميل ينتشر عبر الفضاء….ينادي المنادي و النفوس تقول أرحنا بها يابلال …غذاء الروح الأزكى غذاء الروح الأسمى….فتصوروا عندما يأم الأمام المصلين في مكان ساكن …و الأرض مطرقة و السماء تشاهد و تنصت الدنيا قاطبة… لترانيم سورة الفاتحة….فعندما يتلوا الأمام الفاتحة….و يقول المأمومون آمين….تحس أنها تصل إلى أرجاء المعمورة و تمر في كل أرجاء الفضاء….لحظات صفاء يحس بها المرء في تلك الرحلات…..بعد الصلاة….عدنا نتحلق حول النار…التي تتسابق ألسنتها اللاهبة مع بعضها…ووجوه الحضور تتقلب بألوان أشعة النار الحمراء و الصفراء و أشعة لون القمر ….أو تختلط تلك الأشعة مع بعضها مكونة لون جديد مميز….القهوة و الشاي و الحليب…. و أسياخ الشواء على أطراف النار…ودخانها يتطاير في الهواء….ورائحة اللحم و البصل و البهارات تكاد أن تزكم الأنوف….فالأسياخ تتقلب على نار هائجة….و اللحم يقدم بأشكال مختلفة….منهم من يريده باستواء كامل أو بنصف استواء….فإن كانت العيون يغالبها النوم…..فأن البطون لا تقاوم رائحة الشواء الزكية…..و بعد العشاء …لملمنا أغراضنا….و أبعدنا بقايا الأكل حتى لا تجمع علينا الهوام …أطفأنا النار ….استلقينا في أكياس النوم التي جهزت لمثل هذه الرحلات….و إن كان كبار السن قد داخلهم النوم قبل أن تلامس أجسامهم الفرش …فإننا نحن الشباب كانت الضحكات و القهقهات تسمع من بعيد…فكلنا في داخل أكياس النوم ….ومإن يلقي أحدهم بنكته حتى ترتج الأكياس …من الضحكات….و أستغرب لماذا لم نضحك طول النهار …و عند النوم نغرق في ضحك مستمر….بدأت حدة الضحكات تتناقص واحدة بعد الأخرى ….معلنة مغالبة النوم لأحد الأشخاص….حتى سكن الجميع….و أخرجت رأسي من تحت أكوام الغطاء…نظرت إلى السماء….النجوم …و القمر….و الشهب….و المجرات…في منظر يجعل النفس تعود إلى الخالق….النجوم لم أكن أراها من قبل بهذه الكثرة…. وفي كل حين هناك شهاب يخط نوره في السماء بقوة… و يتضاءل نوره حتى يختفي بين ألوف النجوم…..و القمر قد بانت تضاريسه حتى يخيل إلى الرائي أنه قريب منه….و شعاعه يهبط إلى الأرض فيملئها نوراً …..

سريت ليل الهوى لين انبلج نوره
امشي على الجدي وتسامرني القمرا
طعس وغدير وقمر ونجوم منثوره
انفاس نجد بها جرح الدهر يبرا
يا نجد الاحباب لك حدر القمر صوره
طفلة هلال وبنت اربع عشر بدرا
حبيبتي نجد عيني فيك معذوره
معشوقة القلب فيها للنظر سحرا
فضة شعاع القمر في نجد مسحوره
منشاف لمع قمر في خدة سمرا
و الشجيرات من حولنا تهزها النسائم …فيهتز معها ظلالها الناشئ من أشعة القمر….أتنفس بعمق…أشم كل ماتحمله الطبيعة من رائحة الزهور و الأعشاب البرية و بقايا من روائح نار مدفونة….و أجزاء من دخان شواء محترق…أتنفسها بعمق…و تطمأن نفسي بنهاية ذلك اليوم…..أدخل رأسي في فراشي…و أسحب سحاب الفراش …ويصير صوته مع سكون الكون كأعلى مايسمع السامع…..عندما تغلق على نفسك الفراش…تسمع من بعيد ثغاء بعض الغنم….و ماأن يهدأ ذلك الصوت حتى يعلوا صوت كلب نابح….فيبدُ أن الكلب علم أن لا سامع لصوته ….و ليس هناك مايستحق لذلك المجهود المبدد….فيخمد بعد أن يضع رأسه عند قدمه….هدوء ….يلف الأرض …فقط …تسمع بعض النائمين يتمتمون بكلمات الأحلام….أو شخير من بعض الرؤوس التي لم تستقر في مكانها الصحيح…وهناك صوت من بعد…. يبد ضعيفاً فيزداد مع الزمن الذي يمضي بطيئاً…فمايزال يزداد حتى يعلوا صوته جميع الأصوات إنه صوت سيارة قادمة من بعيد…ويظهر عليها أن شكمان الدخان الخاص بالسيارة معطوب….فسبب ضجيجها إيقاظ الأغنام و كلاب الحراسة…. فتختلط الأصوات ….صوت السيارة المعطوبة…. و ثغاء الغنم…. و نباح الكلب….فما لبثت أن ابتعدت السيارة و انتهى صوتها….فهدأت الأغنام عن ثغائها….و استمر الكلب بوفائه لصاحبة…فنبح غير قليل….حتى أصابه الملل و أمتلكه النوم….و عاد السكون من جديد لعالم البرية…وكانت نهاية تلك الأصوات…هي آخر علمي بهذه الحياة ….فقد غططت بسبات عميق…بعد يوم ماتع و جميل….وكانت سويعات تلك الليلة طويلة …استيقظت خلالها مرات و مرات…فكنت أشعل أنوار جوالي لأتبين الساعة….و أعاود النوم من جديد….حتى سمعت منادي الفجر…ينادي للصلاة…وماهي إلا لحظات حتى خرج الجميع من أكمامهم….و بدأ الجميع بلاستعداد لصبح يوم جديد …و الجميع يتوقون برد ذلك الفجر بالنار التي أضرمت من قبل و صفت من حولها الدلال و الأباريق….و ألسنتها تصل إلى المتوضئين الذين أصابتهم أرتجافة الجو البارد بعد الفراش الدافى…فأُعلنت الصلاة ….ومن بعد انقضائها ….جلس الجميع حول النار الملتهبة يتلذذون بدفئها….و يراقبون قرص الشمس الذي ينير بوجهه الحسن من جهة المشرق…


و بدأت الأرض تظهر محاسنها من جديد…فالأزهار تفتحت…وقطرات الندى تترقرق من أوراقها….و الشجيرات تعبث الرياح الهادئة بأطرافها….


و أهل الأرض من الخفاف و الثقال بدءُ يملئون مشارقها و مغاربها حركة و ضجيجاً….و إن كانت الحشرات ..تحاول عبثاً أن تختبر صبرنا و تحملنا و مدى وقوفنا في و جهها


 

….فإنها لا تعلم أننا بنفوسنا القوية و أصولنا البدوية قد نشرنا في الأرض الرعب …حتى عادت الأرض بمتوحشها و مستأنسها في قبضت أيدينا….فنحن من أشربنا أعدائنا الخوف ألوانا….فكيف بزاحف أو زاحفة أو حشرة مؤنثة أو مذكرة….نحن مسابحنا من ثعابين الأرض الملونة…..ومحازمنا من ثعابينها الطويلة….و مشربنا نحن ودواب و الأرض و هوامها من كأس واحد….فهل يخيفنا حشرورة من الأرض تتلصص علينا و تحاول أن ترهبنا أو تخدعنا …..أبشركم الأمور جت سليمة

ما إن هدأت الأرض و شبعت البطون و صحت العيون …حتى آثرنا الرحيل عن هذه الأرض التي أرادت أن ترعبنا بمستصغر الحشري…وزرعنا فيها ذكريات جميلة…فجمعنا أكوام المخلفات أحرقناها حتى ننظف الأرض من مخلفاتنا المتبقية ….و لم نعلم أننا رفعنا مخلفاتنا من الأرض إلى الهواء و السماء فبدل أن تشمئز منها عييوننا أصبحت تمرض منها صدورنا ….في هذا اليوم حاولنا أن نطوي الفلا…… و نقطع الأرض في طريق العودة إلى بلدتنا….نظرات الوداع دائماً مختلفة…فالأرض ليست الأرض التي ننظرها في أيامنا السابقة…

وأمسيت في صحرا وقيلت في غاب
ومن طول الغربات شاف الغرايب
والإبل التي تنتشر في أراضي الربيع ترقبنا بنظرات حزينة….و تأبى نفوسنا إلا أن نختارها لنا أماً من الرضاع ….تذوقنا غبوقها و صبوحها….


 

تأملنا بشقحها و وضحها…و طالعنا المغاتير…و الدهم…و الصفر …فأسمائها تتعدد وعشقها في قلوب البدو يتلون….وإن كانت الأرض الرملية هي المنظر السائد….

 

 

في خط عودتنا شاهدنا مشاهد لأرض الصخرية و التلال و الجبال….

 

و أرقب هناك من بعيد بيت شعر …و حوله بعض الغنيمات…و فتاة متبرقعة….حولها بعض الماعز يمشينا خلفها…في منظر تذكرت فيه منظر البدوية المبرقعة الحقيقية و التي حافظت على بداوتها و لم تلطخ خدودها الوردية الطبيعية بأصباغ صناعية …أما العيون التي تنظرنا بها من بعيد ….كعيون المها………عبر برقعها الذي تدلى على جسمها….فيغطي قمراً….ويبدي عيونا.ً….كلها سحراً….وجالت في ذهني تلك القصيدة : 

 

ماهقيت إن البراقع يفتنني
لن شفت ظبي النفود مبرقعاتي
الله أكبر ياعيون ناظرني
فاتنات ناعسات ساحراتي
في هواهن ياسعد كيف طرحني
راح عمري في مودتهن فواتي
كان مما صابني ما عالجني
الوكاد إني خطير بالمماتي
ياسعد خبر ظريف الطول عني
كانوده لي بعمر في الحياتي
من نظرني بس اهوجس به واوني
ماتركني هاجسي لو في مباتي
وعندما توسطت الشمس كبد السماء …بحثنا عن مكان للغداء…و أحببنا أن يكون في موقع جديد …و في صورة جديدة من صورة الطبيعة….فكان الاختيار أن نسكن لغدوتنا تحت ظل شجرة….في واد تحتضنه الجبال….و تسقيه الروابي العاليه بالمياه…دخلنا اكثر من مكان…وستقر بنا الحال في هذا المكان

 

وبعدما انتهينا من الغداء …حانت ساعة الوداع ….و ودعنا أياماً جميلة …و رفقة طيبة….و أودعنا ذاك الوادي ذكريات في النفس عالقة…عن رحلة أنس…رحلة محبة…رحلة ملئها الفرح و السرور…عدنا و أعيننا تنظر إلى الكون بشكل جديد…لا تشاهد في هذه الأرض سوى….الأقحوان و النفل و الخزامى

 

هلي على خدانها يا سحابه
هلي عليها لين ينبت بها الورد

 

….و أنوفنا لا تشم سوى نسيم نجد العليل برائحة الشيح و روائح الأعشاب البرية…و قلوبنا لا تعشق سوى مناظر البدو من بيوت الشعر و الأبل و الغنم ….و أفئدتنا تتطلع إلى رحلة قادمة بين صحاري و تلال و أودية ….نجد الحب…. نجد الصبر …..نجد الساحرة….. نجد الأرض الصفراء و السماء الزرقاء


 

قبل الوداع :

لـيالى نـجد مـامثلك ليالي
غلاك اول وزاد الحب غالي
لـيالي نجد للمحبوب طيبي
امـانه نـور عينى ياليالي

أخوتي….الكلمات تعجز عن شكركم ….ولكن لكم أن تختارو أجمل الكلمات من بين أحرفي….و أجمل اللقطات من بين صوري….فتقبلوها مفعمة بالحب و التقدير
أخوكم / نسيم نجد
www.naseemnajd.com

روابط بقية الحلقات…

الحلقة الأولى

الحلقة الثانية

الحلقة الثالثة

الحلقة الرابعة

الحلقة الأخيرة

عن سليمان الصقير

محب للسفر والترحال : مؤلفاتي : 1- 800 خطوة لرحلة سياحية ممتعة 2- 150 طريقة ليصل برك بأمك 3- أمي أنتِ جنتي 4- بنيتي لكِ حبي 5- مذكرات مدمن إنترنت

شاهد أيضاً

زهور الربيع

رحلة إلى البراري حيث تنثر الأرض زهورها في الرياض و الفياض, فعانقتها الكلمات , و عشقتها الصور ..

تعليق واحد

  1. تقرير مجمل ومتميز ورائع بما حمله من صور للترحال والقصيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.