ღღ 7 ღღ
نستكمل رحلتنا و القصور و الدور تجاورنا عبر منعطفات و دروب ذلك النهر
بل تمُد عنقها لتحظى بنظرة لهؤلاء الغرباء الذي أتوا من بعيد ليبحروا في جداولها و, يتمعنوا بما تحتويه من جمالها .
فعلى أطراف النهر تتزاحم و تتقاطع خطوط المعمار الحديث مع الطراز القديم , و الكل يجتهد أن يستكمال كامل زينته امام النهر . فنبحر من جانبها مستمتعين بجميل عرضها و تمازج الحسن فيها من أعمال الأولين و الآخرين و نتمنى أن هذا العرض يستمر على مداد النهر .
بين تنوع الزجايات , و أختلاف الألوان و الصبغات , و تشكل العمارة و التصميم , و تجدد العتيق و و أصطباغ الحديث بالقديم , يقف المرء مشدوداً لكل قطعة أو لوحة أو تحفة يحتويها ذلك المعرض المفتوح عبر الهواء الطلق , و تقف عاجزاً أن تنظم الحرف التي تصل لمستوى ذلك الفن بالمعمار و الذوق الرفيع , فليس لك إلا أن تستمتع بكل تلك المحتويات , و تسبح ببحر من التأمل عميق .
أما محطة القطار فهي الأكبر في أوربا , فقد إضافت لتميزها و علوها علواً آخر , فبوجودها على جانب النهر, فيرتسم لديك منظر رائع فريد عندما يخرج القطار من رحم المحطة , و تتوالى عرباتها المتقطعة , و عيناك إليه منشدة , و كل لحظة تنتظر أن ينتهي ذلك التسلسل المتتالي السريع , حتى يبلغ بك اليأس مبلغه , و يختفي رأس القطار السريع في آخر منحدر الأرض و يظهر ذيله بين يديك من خلال زجاج قبة المحطة البلورية .
هناك يلوح في الأفق جسر منظوم بصورة رائعة , و يحتوي على ممرات ثلاثة , و من فوقه أبراج مرتفعة , و بني بطوب أحمر قد صف بصورة متقنة , و حوت جنباته أكشاش مؤقتة , و من فوقه أناس يتجولون و بعضهم يتسامرون , و كلهم لمن في النهر ينظرون , عبرنا من تحت الجسر , و أعجبنا بالطبع ذلك المنظر .
هنا تَسدل الأشجار ضفائرها في حافة النهر لتكسب نقاءً يزيد من صفاء لونها الجذاب , و على طرفه يرقد الناس على عشب أخضر , فلما عجزت تلك الشعيرات الوصول إلى قطرات النهر , تكفلت قطرات المطر فغسلتها فغدت خضراء جميلة نظيفة .
هناك جسور تمتد للمشاة بين الضفتين , و هي على عكس الجسور السابقة فهي خراسانية ممدودة بشكل معماري رائع , و يحيط بها مباني فخمة , قد كسيت واجهتها بزجاج عاكس , و صور العبارات و القوارب و الأبوات و الناس على زجاجها يظهرون فكأنها لوحة مقسمة , أو شاشة رائي ضخمة .
العملاق : برج التلفاز يمد هامته ليطلع على حال الناس وسط النهر , و هو يظهر من جهات عدة , و مناطق متفرقة من النهر. و لك أن تتخيل كيف حال من يسكن بوسط قبته الزجاجية , و بداخل مطعمه الراقد وسط اسطوانة متحركة دائرية , فتارة يطلع على أطراف المدينة البعيدة , و تارة ينظر إلى مبانيها الشاهقة , و تارة يبحر في تاريخها العريق , و مرة أخرى ينظر أسفل قديمة , ليرى أهل النهر و كيف تقودهم جداوله و أخاديده لنهاية غير معلومة .
القبة الخضراء أخذت مسكناً يجاور النهر أيضاً , ففي ميدان جاندارمن ماركت Gendarmenmarkt, سكنت فليست هي أقل من غيرها , و برغم قدمها و تطاول تاريخا لم تفرط بجميل موقعها على النهر منذ قديم الزمن .
من اتجاهات عدة , تظهر معالم مختلفة , فتجمعها العين بصورة واحدة , فحبة الأسبرين قد نصبت نفسها على حافة النهر , لتحكي قصة هذه الوصفة الطبية العجيبة , و التي هي نسخة ألمانية أصلية , و ترى بجانب هذه القرص الذي لم تفت عزيمته قطرات الأمطار , و لم تنهكه كثرة الزوار , فتجد بجانبه القبة الزجاجية للقصر الشهير مبنى الرايخ Reichstag (مبنى البرلمان الفدرالي) و الذي تقادم عهده و جددت منه قبته , وذلك بعد أن وضعت قبة زجاجية شفافة , يرى من يعيش وسطها , تقلبات الأجواء , و نزول قطرات السماء , و وصول أشعة الشمس , و ملامسة ضوء القمر .
الأسبرين(Aspirin او acetylsalicylic acid) ،هو أحد أشهر الأدوية وأكثرها شعبية في كل مكان عندما أنقذ بلايين البشر بإذن الله تعالى من الحمي والنوبات القلبية والآلام الروماتيزمية خلال القرن الماضي وما زال حتى الآن يعتبر علاج متميزا علي بدائله . حتي بات أكثر الأدوية إنتاجا ومبيعا في العالم منذ أكثر من قرن عندما أطلق الصيادلة الألمان في مصانع (هوفمان) للكيماويات هذا الإسم علي حامض أستيل سالسيك الإسم الكيماوي فأطلقوا علي هذه المادة اسم أسبرين – من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة –
أما الآن و بعد أن نعبر هذا الجسر الحديدي الصلب , أترككم لتأخذوا قسطاً من الراحة على تلك الأعشاب الرطبة الممتدة بجانب النهر , و أعدكم بإذن الله تعالى أن أعود إليكم مرة أخرى لنكمل تلك الرحلة النهرية , و أعلم أنكم بحاجة لتناول بعض أقراص الأسبرين لتخفيف ما سببته لكم من صداع مزمن بسب الإطالة بسرد الرحلة النهرية و التي استمرت ثلاث ساعات في النهر , و استمرت ثلاث أسابيع على الورق …..
تحياتي لكم جميعاً
نسيم نجد
منذ أن بدأتْ رحلتكَ البرلينية هذه ..
وأنا أتابع حلقاتها بصمت ..
لا أخفيك سراً ..
أنني بعدما ما أنهيت رواية ماجدولين – تحت ظلال الزيزفون –
للمنفلوطي – رحمه الله –
وأنا أقول في نفسي أنّ برلين فيها من الحميميّة ما ليس في غيرها ..
الأرصفة الرطبة / الشوارع الممتدة / القناديل المشنوقة على جنبات الطريق ..
وجميع تفاصيلها الدقيقة الرائعة ..
وها أنت تبرهن هذا هنا..
بحرفٍ أدبيٍ أخّاذ .. وصورةٍ آسرة ..
تنقلنا بهما .. إلى تيكَ الديار !
زادكَ الله من نعمائه ..
ونحن بانتظار جرعتك التالية ..
فـ السكرَة قد بلغنا ذروتها !