جنيف السويسرية و رائحة بمبي الهندية

ليالي جنيف السويسرية…برائحة التوابل الهندية

عندما اختفت الشمس خلف الجبال…و لامس الظلام أطراف الأرض..و حل سواده البهيم في كل مكان من قيعان الأودية حتى أعالي الجبال….صرت أتلمس الأرض حتى أصل إلى مديني ..و بعد لحظات وجدت نفسي على خطوات من مدينة جنيف…أخذني تفكيري كيف تكون تلك المدينة…التي هي بنظري سكنٌ لرجال الأعمال…و مخزنٌ للأموال…و مدينة المليارديرات من أنحاء العالم…اقتربت منها…صعدت الجبال التي تفصلني عنها….ظهرت لي لوحة أولى مكتوب عليها …مدينة جنيف…مع أول نظراتي لجنيف زاد اندهاشي….فمع كل الصور التي وضعتها في ذهني عن تلك المدينة لم تكن بينها تلك الصورة التي شاهدتها على أرض الواقع… رسمت لجنيف صور عديدة… جنيف المزهرة …جنيف الراقية…جنيف المتطورة….فلم تكن جنيف أياً من تلك الصور…فعلى أبواب جنيف تساقطت تلك الصور… صورة… صورة….تعجبت أن هذه هي المدينة الموعودة… وأن هذا الواقع هو نهاية ذلك الحلم المرسوم….فلم تكن تضيء مداخلها الأنوار…و لم تزينها الأشجار…و لم تحف طُرُقها الأرصفة…..و لم تسكنها القصور الفخمة..استغربت …و تعجبت…و لم أصدق الذي أمامي…وقفت في أول محطات الوقود…لألتقط أنفاسي…و ارتب أفكاري…سحبت جهاز اللاب توب…أطلعت على خارطة المدينة…لأتمكن من معرفة اسم الشارع الذي يقع عليه الفندق…أدخلت في النفيقيشن اسم الشارع للفندق الذي حجزته من قبل عبر النت…ثم تزودت بالوقود…. حتى أخوض معركة الموت أو الحياة عبر شرايين المدينة…و أصل إلى قلب مدينة جنيف قبل أن تنقطع بي السبل… لا أعلم كم من الوقت أحتاجه للوصول إلى فندقي…و كم من المسافة سوف أقطعها لأبلغ غايتي….مؤشر النفيقيشن يرسم الطريق من المحطة التي في مدخل المدينة إلى الفندق….وبسهولة و بدون أي معوقات وجدت نفسي أمام الفندق ….دخلت الفندق…كان في استقبالي موظفة الاستقبال….استقبلتني بابتسامة سويسرية….تتضاحك لها كل الحواس في وجهها….وهي ابتسامة تختلف عما عرفناه من الابتسامات…ففي عُرفنا أن الابتسامة هي مجرد اظهر الأسنان ….مع تقطيب و تعطيل باقي الحواس…بينما هم هناك يبذلونها فتنتشر و تظهر على جميع أجزاء وجوههم…ابتسامة تضيء الكون من حولها بصفائها و نقائها…ابتسامة كأنها الشمس بنورها…ابتسامة تجعلك تراجع جميع حساباتك عن الابتسامات و تسأل نفسك هل هذه أول مرة تشاهد فيها ابتسامة ؟…على رنين كلماتها المكسرة من اللغة الإنجليزية خرجت من تأملاتي…و نطقت لها بكلمات شكري و تقديري…ذهبت و أوقفت السيارة بموقفها المخصص…

أوربا , صور من الطبيعة ,</p> <p>فرنسا , سويسرا , ألمانيا ,آنسي , انترلاكن , بون

ثم صعدت بالمصعد إلى الدور المقصود…المصعد صغير و محاط بجدر زجاجية شفافة تجعلك تشاهد الأدوار التي تمر عليها بممراتها…. وقد زُينت تلك الممرات بلوحات و رسومات   جميلة على حيطانها….تبدو لشخصيات مشهورة سويسرية …رسمت بيد العباقرة من فناني أحد العصور الأولى….و خلال صعودنا البطيء تظهر لك المناظر من خلف الزجاج فيخول لك أنك بمتحف متحرك…أو بعرض سينمائي بديع…مررنا  بجانب أول صورة…. صورة لفتاة مبتسمة ….و قد ركبت على حصان في وسط مزرعة كبيرة خضرة…. و تلمح من بُعد في تلك الصورة قصر مشيد ثم بناؤه من الحجر المصفوف بشكل محكم يجعلك تتأكد أنك أمام قصر من قصور القرون الوسطى…ثم نتعداها لنمر على صورة لممرات ضيقة و سراديب ملتوية لحي قديم من أحياء مدينة معينة…و هذه الممرات ساكنة من الحركة و بيوتها خاوية على عروشها….و تمر بين بيوتها مجاري مائية صغيرة ..ثم لوحة أخرى في ركن بعيد من أحد الأدوار …فيها رجل قد جدل رأسه و وضع فوقه قلنسوته و فتل شنبه…و أمتشق سيفه…و عيناه تنبأن بشرٍ عظيم…و يده التي تمسك بالسيف تتضح منها تفاصيل عروق يده …فكأنها تفور من حماس قلب يثور…أعرضت بوجهي عنها قبل أن تمسح هذه الصورة الأخيرة كل المناظر الجميلة من الرسومات السابقة…و لعل صوت جرس المصعد أراد أن ينبهني بوصولي للدور الذي طلبت…..و إنهاء الجولة الحرة على الصور المعلقة….بكل ما أوتيت من قوة… سحبت شنطتي التي تأبى أن تنقاد معي…و حملت بيدي الأخرى ثيابي التي وضعتهم خلف ظهري ….ثم لففتها حول رقبتي…..و أمسكتهم من الجانب الأيمن من رأسي… الثياب من كثرة يكدن أن يغطين كل جسمي …من بين الثياب أخرجت عيني لكي ابحث عن أرقام مفقودة…هو 354 رقم غرفتي الموعودة…مررت بالممرات أنا و شنطتي العاصية المستعصية …و التي تتشبث و بقوة بفرشة الممرات..فكأنها لا تريد أن ترافقني إلى غرفتي …سحبتها مع يدها كطفلة مدلل ترفض أن تنقاد لأوامر والديها…وتشترك ثيابي الملتفة على رأسي بالمؤامرة و ذلك بأن يحاولن عبثاً أن يغلقن عيناي عن طريق إلى غرفتي الجديدة….في آخر الممر علقت لوحة مرقمة تدل على غرفتي…و تنفست الصعداء بأن اقترب الوصول إلى محطتي…و إفراغ كامل حمولتي…نظرت و بسرعة على الرقم الذي أعلى الغرفة…ثم قارنته بمفتاحي الذي بيدي والذي علق بطرف ميدالية كبيرة عظيمة فكانت الأرقام متطابقة…دخلت إلى غرفتي و أطلقت يدي من صغيرتي ( شنطتي ) فسقطت على وجهها…جزاءاً لها و ردعاً لأمثالها …ممن يعاند و يأبى أن ينقاد معي في رحلتي…رميت بثيابي التي بيدي على سرير مفروش ….و تسبب رميها بتطاير بعض الأوراق التعريفية المنشورة عن خدمات يقدمها الفندق بشكل أوراق مكتوبة….قلبت نظري بغرفتي تفحصت جدرانها التي طليت بدهانات ديكورية جميلة… و نصبت الستائر المعلقة على نافذة محمية بقفص جميل مزخرف بزخارف حديدية…هناك تلفاز يجلس على ماصة و تنيرها أبجورة…و بجانبها ثلاجة و عن يمينها دولاب كبير مقسم بأقسام متعددة…و في وسط الغرفة يمتد سرير واسع…قد غطي بمفرش مخملي أبيض…

أوربا , صور من الطبيعة ,فرنسا , سويسرا , </p> <p>ألمانيا ,آنسي , انترلاكن , بون

و في زاوية من الغرفة و كما هو معهود و في مكان معروف تتسلل إضاءة لمصباح حمام الغرفة لتدل على مكان لم يكتشف بعد….دخلت الحمام الذي فرش بنقشة من سيراميك جميل…و ألبست جدرانه بقطع من القيشاني البسيط…و علقت بعض الفوط البيضاء….على علاقات بأماكن مختلفة …و أحجام متعددة .

أوربا , صور من الطبيعة ,فرنسا , سويسرا </p> <p>, ألمانيا ,آنسي , انترلاكن , بون

هذه هي الغرفة…و كل أثاث و ديكور الغرفة بسيط و أجمل مافيه هو النظافة التامة… بدأت أقترب من مكان مهم لي في كل رحلاتي…النافذة …أزحت عنها ستارتها البيضاء…فكأني أزيح شُرعة العرس عن فتاة أحلامي…أريد أن أنظر و بسرعة إلى جمالها الذي يختبئ خلف هذا القماش الأبيض…أريد أن ينير وجهها الوضاء البهجة في قلبي بعد أن طال انتظاري…أريد أن يشع نور قمرها في صدري بعدما حار عقلي بجمالها الذي تخفيه عني…أنا في كل مدن العالم لي وقفات و تأملات مع نوافذ المدن والفنادق…و لكن إزاحة الستارة أول  مرة عندما أصل إلى فندقي فهي تعني لي الشيء الكثير….و هي نظرتي الأول… أنه الحب من أول نظرة….عجلات الستارة تجري ببطء على مسارها المعلق…و فتاتي ( جنيف ) تظهر من خلف ذلك الستار…اكتملت الصورة …و بانت لي بكل تفاصيلها…راحت عيناي تلتهمان تلك الصورة…وتبحثان عن مواطن الجمال في أجزائها….عيناي حائرتان…تتقلبان في مواطن الفتنة…و تتفحصان أماكن الجمال…فلا تجدان إلا ظلام يخيم و يعلوا تلك النافذة….أدقق النظر استرجع النظرات…ابحث عن مكان للجمال فلا أجد….

أوربا , صور من الطبيعة ,فرنسا , سويسرا </p> <p>, ألمانيا ,آنسي , انترلاكن , بون

بانت لي من خلال تلك الشرفة صورة للظلام تمتد و بلا نهاية تغمر كل الأجزاء المجاورة….بل إن المنظر يكتمل سوؤه بمبنى مجاور يتم بناؤه…فرافعات متوقفة…و أجزاء من حديد منتشرة…و خرسانات متلاصقة…و أدوار متعددة من مباني خاوية….و هناك و في السماء المظلمة تنبعث بين كل حين و حين…أنوار ألعاب نارية تشق السماء في محاولة يائسة لنشر النور على ذلك الظلام المطبق…و شررها يرسم أشكال دوائر منتظمة تمل نفسي من تكررها الباهت المقيت…فهي عروض و إن بدت جميلة فهي سريعة النهاية …و إن بدت بألوان سارة فهي قريبة إلى الانطفاء بعد الاشتعال….مع كل محاولة من تلك الشعل المضيئة ببعث السرور في نفسي أجد أن يداي تتحركان ببطء من أجل إعادة الخمار الأبيض على وجه من كانت حبيبتي…أودعها….و أنا مشفق عليها أن لا يرى مَن عَشِقَها حسنها في يوم فرحها …و مشفق على روحي التي طالما تمنت تلك اللحظات ليكشف عن وجه حبيبته و يطالع نورها و صورتها التي يتغنى بها….و تكون الحقيقة …و المفاجأة أن الصورة التي رسمت في أعماق قلبي أجمل….و أن الواقع أقل و بكثير من تلك الصورة….فكأني أريد أن أطلق الحقيقة و الواقع و أعيش لحظات وهمية سعيدة على أرض الأحلام الجميلة….نعم هو الحب من أول نظرة في حياتي….فكانت نظراتي الأولى هي نهاية لكل حب أكنه لتلك المدينة ….و التي استقيت أنهار حبها من منابع ثناء الناس عليها…. فرسمته بصورة أجمل من كل ثناء…و رفعته فوق كل بناء….هذي هي نفسي تتوق إلى العلياء…. فعندما تسمع عن الجمال تصوره بصورة أجمل من الجمال…و عند اللقاء يكون اللقاء أبهت مما صورته لها….لذا أجمل المدن في نظري هي المدن التي لم تراها عيني و لم تسمع بها أذني…فيكتشفها قلبي من أول نظرة و يحبها من أول لحظة…و في محاولتي لنسيان المفاجأة التي لا تسرني عبر نافذتي في الحياة …بدأت أبحث عن شيء مهم جداً في غرفتي…إنه مقبس السخان المائي…الذي هو مشبك لدلتي و مصدر لسعادتي….حتى أبدأ بصنع القهوة….وضعت شنطتي في محلها المعروف…علقت ملابسي في زاوية من دولاب غرفتي الكبير…فتحت الشنطة…نفذت من بين الثياب رائحة القهوة التي تعطر الأنوف…شممتها بعمق…فكأنها شمة مدمن…استرجعت الكثير من قوتي …و باقيها يسترجع بعدما يتم طبخها و تقديمها مع التمر…جددت نشاطي بدش مائي…وضعت قهوتي و تميراتي بيدي..وباليد الأخرى جوالي و أتصلت بأبي و أمي و ذلك مخافة أن يناموا و لم أسمع صوتهما…أما زوجتي و أولادي فالوقت مبكر للاتصال بهم فسوف يكون قبل أن أرقد لنومي…أحسست براحة عجيبة بعيد الاتصال فكأنهما يشاركاني غربتي….مددت يدي للريموت ….قلبت بين القنوات…و بيدي فنجال أرتشفه فيعلوا صوته كل صوت….هدوء يلف المكان …يجعل من صوت التلفاز الخافت و الرشف البسيط شيئاً له ضجيج…أكملت قهوتي…و حانت ساعة النوم…غسلت دلالي…و جمعت أغراضي… و أطفأت جميع الأنوار عدى أبجورة مركونة عند رأسي…استلقيت على ظهري…و نور الأبجورة يرسم حلقات صغيرة على سقف الغرفة من ضوء نافذ من خلال قماش يلفها….ضوء الألعاب النارية المتطايرة لم يمل من لعبة الإغراء عبر الفضاء ….فيرسل أنواره الملونة من خلف الستائر المعلقة….أغلقت ضوء الأبجورة التي بجانبي…و اشتعلت في نفسي نار الغربة التي تلازمني في كل مكان من أنحاء العالم في رحلاتي….فهي تسكن معي في غرفي…و تنام معي في غربتي…و تأكل من طعامي و تنهش من عظامي…نشرب أنا وهي من إناء واحد…إنه مرض الغربة الذي يلازمني فيكل ترحال…تنهدت كثيراً…حاولت أن أتنفس بشكل أفضل لعلي أطرد ذلك الكابوس الذي يجثم على صدري…أحس بأحاسيس تجعلني أكره السفر …و أقول مالذي دعاني أترك و طني و أولادي…أترك بيت و مدينتي….أترك شعاع الشمس الذي يحرقني بدفئه و أختار البراد بقسوته…اترك نظرات أطفالي و عطف أبي و أمي…و أتوه  في عالم لا تربطني به أي نظرات …أو تجمعني به أي صلات…. أحس أنني أفقد أشياء كثيرة …و محتاج لمشاعر عظيمة تجمع شتات أفكاري…و تعيد لي من جديد حياتي…أنظر من حولي فلا أجد إلا ظلام فهل أنا في عالم مفقود…أو أنا مفقود في عالم غريب…أو هل ترى لأهلي سوف أعود….أنيسي في تلك الغرفة هي رسائل الأحبة أقلبها و أتحسس المشاعر من خلالها…..أتوه بين سطورها …أنيسي في تلك الغربة هو ما أتيت به معي من شرشفي و أكياس المخدة ….الذي يارفقني في أي غرفة…حجتي فيه أنني لا أقبل أي لحاف لا يخصني…بينما يعني لي أشياء كثيرة…هو رفيقي و هو من يؤنسني في وحدتي…أختفي خلفه و اطلب وده…و أرتمي بين أحضانه لأسكن دفأه….أضع رأسي المتعب على غطاء تلك المخدة و أحس بأني الصق خدي على من يحس بي و يعرفني….أنا غريب في فندق من أدوار متعددة….في غرفة ضائعة من زوايا أحد الأدوار الكبيرة…أرقد على طرف سرير مركون في غرفة ضخمة…كبرت كل الأشياء من حولي و ظللت أنا صغير بنفسي و أنفاسي…ظللت أنا حبيس أدراج العالم الفسيح…أحس بأني كقطعة مرمية في درج دولاب عظيم ….في غرفة من قصر منيف….أغلال من فوقها أغلال…و سجون من خلف قضبان….استعيد ذاكرتي فتعود بي إلى الوراء… أستعيدها و تذهب نفسي حسرات على حالها…. و لعل الخطأ الذي ارتكبته أنني ركنت إلى النوم قبل وقتي…أو قبل أن يهدني التعب فأكون صريعة و لا يدع مجال للتفكير مني….لقد كنت استعين على هذه المواقف بالقراءة أو بالتواصل مع من هم حولي حتى تختفي شدة تلك الأحاسيس….لقد عشت هذه الغربة في أكثر من موطن و أكثر من بلد من المشرق إلى المغرب…و كل مرة أقول في نفسي لن أعود…ثم أعود…لن أسافر ثم تجدني أول من يسافر….لن ارحل فتجدني أول الحاجزين في قطار الترحال……أذكر أنني في أحد الفنادق في بومباي أو كما يطلق عليها ممبي في الهند… زارني زائر الأحزان فجر أحد الأيام …وذلك بعدما استيقظت مبكراً لصلاة الفجر…و لم يجد النوم سبيلاً لعيني…فعالجته بالعلاج المفيد…فعملت القهوة و الشاي…و أحضرت كوباً كبيراً ..فسكبت به أول كأس لذلك الصبح…نظرت مع النافذة فكان الجو ملوثاً بأبخرة و دخان يختلط مع قطع السحب المتراكمة… أجواء الهند غريبة مختلطة كئيبة…نظرت إلى السماء… هناك غراب طائر يحوم بين العمائر… و بين كل وقت و آخر يحلق حول النوافذ… ليختار نافذة ساكنة …ليستظل بمظلتها إما عن شمس محرقة أو سحب ممطرة….الغيوم تخفي شمس الصباح من خلفها….تترقب الأشعة بعض الوقت حتى تنقشع السحب فتنفذ من خلالها… و أعيد النظر إلى الأرض لعلي أجد ما يسليني أو يواسيني….فأجد على الأرصفة أطفال و نساء و رجال من عائلة فقيرة يفترشون الأرض و يلتحفون السماء…و هم يتخوفون من تساقط الأمطار عليهم في كل حين…. أغلقت نافذتي و رجعت إلى غرفتي…لا أجد حلاً لمشكلتي و معاناتي…استلقيت على سريري فأمسكت بكتاب من أن بانت الشمس من مشرقها حتى اختفت من مغربها…و لم يقطعني سوى الصلوات بينها و طلب الغداء من المطعم…و أوقات إعداد الشاي و القهوة في أوقات متفرقة…إن من أمتع الأوقات أن تبحر عبر كتاب …و هو علاج فعال لمن زاره زائر الأحزان…أو جاورته الهموم والغموم… هو صديق و رفيق في كل وقت من أوقات الضيق….عندما أقرأ فإني ارحل مع كاتب الكاتب…فكأني أمسك بيدي و يده و أتجول عبر أفكاره….و أسرح عبر حروفه….فلما غابت الشمس و أظلمت الدنيا و حل الليل و نشر سكونه على غرفتي في الهند…حل ضيفي العنيد و الذي يتربص بي …فهو يعلم أن الكتاب و أي وسيلة للتسلية لن تفك طلاسم شقائي و تعيد لي سعادتي…وهو يعلم أن هذا الجو و أحواله لا يقطع كآبته كتاب أو يبدد أحزانه كاتب…فقمت بعمل القهوة و خرجت إلى يهو الفندق….لأبحث عن أصدقائي هناك…لكي أنظر إلى من حولي فأجد من يملك تشابيه من أحبهم…أو لعلي  أجد لساناً عربياً…فيغرد بحروف أهلي وخلاني…تأخذ عيناي جولة عبر الوجوه و تترقبان كل قادم…و تتفحصان كل من يمر… أنظر إلى أطفالهم و أتذكر من أبعدتني عنهم الأيام… أبصر كل كبير في السن فأجد مهجتي عبر تقاسيم وجهه الذي أصابه الكبر…. و استمد فرحتي من خلال لحيته التي لونتها الأيام بلون الوقار…حل وقت المغرب وهو وقت اجتماع الأحبة من أهلنا من أهل الإمارات في صالة الاستقبال …و الذين يكثرون في ذلك الفندق ( أهلي من الإمارت أكن لهم في القلب محبة….فقد عاشرتهم في رحلات متعددة و تربطني بهم صداقات وعلاقات أخوية قوية…فهم رمز للكرم و طيب النفس و الأخوة ) …. هو وقت نجتمع فيه و نتبادل الحديث و أحداث ذلك اليوم….جمعت الكثير من الصداقات مع إخواننا هناك من خلال تلك الصالة….و لقد أتيت إلى هذا الفندق الصغير بعدما كنت في فندق تاج محل المعروف . الذي يحتوي تسع صالات للاجتماعات و جهز بأحدث التجهيزات ….و لكن لم يكن يحمل أي  جو يناسبني…فرغم أنني كنت أجلس بأوقات فراغي في صالته المزدانه فأقرأ…أو على أطراف مسبحه و حديقته الغناء فأتأمل لكن تركته و اخترت هذا الفندق الصغير …و ذلك لأن فيه  جو عائلي خليجي…تركت صالات الفندق ذو الخمس نجوم و صالاته الفارهة…و جوه الرسمي الكئيب…و وجوه نازليه المتعبة ….و هربت إلى مكاني الجديد…. و دعت البهو و من فيه من رجال السفارات و رجال الأعمال من كل بلد….و الذين تتلون وجوههم بضحكات وابتسامات بألوان باهته….و قهقهات بأصوات عالية….و دعتهم إلى صالة صغيرة تحت ذلك  الفندق المريح من أبناء جلدتي…فبينهم كنت أجد نفسي في تلك الصالة…أطفال صغار من أبنائنا يمرون كل حين…نساء متلثمات بخمورهن يمررن على استحياء بيننا….رجل و زوجته  يسكنون في أطراف فندقنا …فيسلم الرجل و تذهب المرأة لتقف في زاوية بعيدة عن عيون الرجال حتى يعود إليها زوجها….. طفلة صغيرة تأتي مسرعة …و تجلس في حجر أبيها…و  تقول بصوت مرتفع له…إن أمي تقول سوف أذهب لجارتنا في الشقة المجاورة….الكل هنا في جو عائلي سعيد…و اذكر أني قد أتيت الهند و إلى نفس هذا الفندق ذات مرة في أحد  زياراتي…و كانت زيارتي توافق أيام عيد الضحى المبارك….و فكرت بكيفية قضاء هذا العيد…هنا و في هذه الغربة ….و كيف أضيف لمن حولي أجواء العيد…فخطرت في ذهني  فكرة…ذهبت إلى أسواق بمبي بممراتها الضيقة…و محلاتها الصغيرة المكتظة بالناس… اخترت من بينها أغراض بسيطة…و غلفتها بأغلفة جميلة هي عبارة عن كروت بسيطة و هدايا  متواضعة ….بعضها يناسب الأطفال …و بعضها يناسب النساء و جزء منها يناسب الرجال…و وضعت معها أشرطة دينية كنت قد أحضرتها معي من السعودية. … كتبت كرت بداخلها  …فيه عبارات و تبريكات بالعيد ثم قدمتها للاستقبال ..و قلت لهم قدموها هدية لكل عربي يسكن في فندقنا….فقدموها مشكورين…و لم أدري إلا بباب غرفتي يطرق من قبل أخ من الأمارات يشكرني على صنعي ….فقد علم من الاستقبال أنني أنا من قام بإعداد الهدايا…و لم يعلم هذا الرجل أنهم هم أصحاب الفضل علي بأن جعلوني أعيش أجواء عيدي….كان  مقصدي أننا و إن تباعدت المسافات عن أهلنا فلنا أهل في كل مكان…كان هدفي أن تدخل البسمة على قلب طفل أو طفلة …أجبرتهم ظروفهم الصحية أن يأتوا إلى هنا للعلاج…كان هدفي  كسر الحواجز التي تجعل منا كأبناء للعرب في الغربة أن نلتقي بنظراتنا…. و نخشى بعضنا أكثر مما نخشاه من الغرباء….و لعلي أعيد بعض الذكريات عن ذلك العيد الذي قضيته في الهند…حيث أن الله رحمني برحمته …فنزلت علي من السماء منحة تزيل ما أصابني ببعدي عن أهلي من محنة …و ذلك عندما قدم لي صديقي من الهند دعوة… قدمها  صديقي صاحب مكتب كنت أتعامل معه في الهند….فقد قال لي إني أعزمك لتناول القربان ( الأضحية ) في بيتي…و لم أطيل التفكير فقد استجبت له مباشرة…فبعيد الفجر استعددت لهذه المناسبة  …لأعيش مع تلك العائلة الهندية تقاليدهم في أيام عيدهم…فلبست الزي السعودي الثوب و الغترة و العقال…فانتظرت السائق الذي أرسله صاحبي…فعندما حان الموعد ركبنا تلك السيارة  و التي تعتبر فخمة بالمقارنة بسياراتهم هناك….و يميزها أنها مكيفة و هي على خلاف ما تحتويه شوارع المدينة من سيارات صغيرة…و أغلبها غير مكيفة …مما تضطر معه أن تفتح  نوافذ السيارة… فيختلط الهواء الملوث بقطرات المطر المتساقطة و بأنفاس الناس المتدفقة خلال شوارعها الضيقة…….و المتنقل في شوارع بمباي لا يمكن أن ينفك بصره من المناظر  و المشاهد العجيبة ….و التي تجعلك حائراً ….و تتساءل كيفي يعيش هؤلاء القوم ؟….على الأرصفة تنتشر البيوت التي تبنى من الحديد و الكراتين و الأخشاب فتكون الصنادق الصغيرة …و التي اتخذت من ظل الأشجار مأوى و مستقراً لبيت عائلة فقيرة …أكبرها لا يزيد مساحته عن أربع أمتار …و قد وضع في أعلاه سقف يقسم البيت إلى قسمين بشكل دور علوي و  سفلي…المنظر متكرر على امتداد الطريق يدعوك للعجب….أمام الكوخ وضعت الأم قش و حطب و أشعلت على قدرها الصغير الذي أسود من النار…و حولها أطفالها….أطفال صغار  يلعبون أمامها و هي تصنع أطفالها…و هم عراة لا يستر عورتهم أي قماش…بعضهم يلعب بقطع من الأخشاب ….و بعضهم تغسله أخته بالجاري من المجاري من جانب الطريق…فتاة في مقتبل عمرها تضع رأسها على أرجل أمها و أيدي الأم في رأسها تبحث عن القمل في شعرها….شيخ طاعن بالسن مستلقي على أطراف الرصيف و قد استند برأسه  على شجرة …وقد وضع بجانبه عابر سبيل قطعة من خبزة بالقاذورات متسخة….عجوز امتلئ وجهها بالبؤس تضع يديها فوق رأسها …فكأنها انتهت للتو من صرخة تشكي حالها  ….شاب يجلس على جنب الرصيف قد تطاير شعر رأسه….حائر العينين….تنبع من وجهه حالة الشقاء الأبدي….و بجانبه كلب ممد ينظر إليه الكلب كل حين…فلا اعلم أيهما ينظر إلى  الآخر بشفقة….على امتداد الطريق أبقار تعبر الطريق فتتوقف السيارات احتراماً لها…بل وتزيد أن تمر على محلات الخضار و الفاكهة و تأكل بدون أن ينهرها صاحب الخضار بل    يعتبره شرف له و عزة أن اختارت محلة من بين العشرات من المحلات المنتشرة…..بعدما خرجنا من بعض الشوارع الضيقة تظهر عمائر مرتفعة…قد تم بناؤها…أو جديدة في طور   عمارتها…فتجد النساء و الأطفال يعملون في ذلك المبنى…فالنساء يقمن بعمل  يحاكي عمل الرافعات في المدن المتقدمة …فخط تشاهد أوله من النساء و ليس له نهاية …و فوق رؤوسهن  قد حملنا حاويات بسيطة فيها خرسانة ليوصلنها إلى أعالي المباني….مررنا بشوارع متسخة و ضيقة…حتى انتقلنا إلى شوارع أوسع منها و فيها عمائر منتظمة  مرتفعة….وصلنا لمبنى في مجمع مليء بالعمائر ذات الأدوار المتعددة….انتقلنا للدور الحادي عشر حيث شقة صديقي…طرق السائق الخاص بصديقي باب الشقة…فتحت زوجته  الباب…ظهرت علينا بعدما وضعت على وجهها شالاً شفافاً يخفي ملامح وجهها و تبدي عينين واسعتين كأجمل ماترى من العيون الهندية….رحبت بنا و لم أفهم منها سوى التحية التي  بدأت بها و هي السلام…وثم أتبعتها التبريكات بعيد الأضحى المبارك…نقل لي السائق كلامها مترجماً….ثم قال تفضل حتى يأتي زوجها من ذبح الأضاحي…دخلنا الشقة و هي صغيرة  منظمة…تحتوي على صالة و مطبخ و  غرفتين …غرفة النوم الرئيسية و غرفة نوم الأطفال و صالة للجلوس و الطعام….هذه الشقة هي خاصة بعائلة مكونة من طفلين و  الوالدين….استقبلتنا رائحة التوابل الهندية  من على البوابة الداخلية….فمررنا بجانب الصالة التي قد اكتظت بالكثير من النساء عرفت فيما بعد أنهن أزواج أخوة صديقي و أخواته…..و  أنهم يجتمعون في كل عيد عنده حتى تكتمل الفرحة …مررت من بينهن و العيون ترقب ذلك الشاب الذي يلبس زياً مختلفاً عنهم…و بثوبه و غترته و عقالة…بل هو بنظرهم من شباب   الجزيرة العربية التي تحمل الحرمين الشريفين…و منبع الرسالة و أرض الصحابة…لا أعلم إلى أين يريد أن يذهب بي…فقد تجاوزت الصالة إلى عمق البيت…ففتح لي غرفة…فإذا هي  غرفة النوم الرئيسية…فهذا من باب التكريم لديهم…و من باب الاحتفاء التام بضيفهم…فهم ينزلونه بأعز الأماكن عندهم…و هذه الحادثة قد حدثت لي في باكستان أيضاً فلم استغربها…لم تكن غرفة النوم تحتوي على كنبات أو كراسي للجلوس…بل سرير و دواليب و تساريح مختلفة و مرايا في كل مكان…و هي فخمة بمعنى الكلمة…جلست على طرف السرير..فقام بإشعال التلفاز…و مد لي الريموت ..فاستأذن و تركني….فقلت بنفسي ماذا عساي أن افعل هنا…أخذت اقلب القنوات…و كل قناة فيها فتيات فوق رأس جبل يرقصن و يتمايلن كما تتمايل  الأفعى على صوت المزمار…في ساحات بالورود عامرة و بالأنهار جارية…فهن في حركة مستمرة … ينتقلن من جبال عالية …أو يظهرن من فوق غصن شجرة ثم يخرج عليهن البطل  فجأة…و عندما تغير القناة فأنت تجد فلم هندي ….عن طفل فقد والدية… ثم تاهت به دروب الحياة…..فيبدأ البكاء و العويل من أول الفلم حتى آخره…أنا لا أعلم هل الذي ألف كل  الأفلام الهندية هو شخص واحد…و عنده عقدة فقد الوالدين…مع هذا الفلم لم استحمل أن أكمل الفلم ….فلست ناقصاً أي منظر من مناظر الحرمان و فقد الخلان…قلبت تلك القنوات و التي  هي بنظري منسوخة و لا أجد بين مناظرها أي شيء غير مألوف…فهي نسخ متكررة… بصور متعددة…مللت منها…فأغلقت التلفاز….في لحظاتي هذه يدخل السائق و يقدم لي  حليباً بالشاي…مع قطعة بسكويت صغيرة…ثم أتى من بعده طفل في العاشرة من عمرة …و طفلة في السادسة من عمرها….عليهما آثار النعمة..و هما نموذج للجمال الهندي نراه عبر  الأفلام الهندية و نفقدها في شوارع تلك المدينة…مد يده للمصافحة  فقبلتهما…فجلس بجانبي و جلست أخته الصغيرة من خلفه…اخذ يحدثني بلهجته و هو ينظر إلى هندامي…و أنا لا أفقه  ما يقول…و لا أعلم ما يريد…فقلت في نفسي لن اصمت فبدأت أكلمه بالعربي…و ألقيت عليه همومي و شوقي إلى أهلي…و هو يتكلم ثم ينظر و يذهب و يأتي…فيبتسم فأبتسم و يقطب  فأقطب..و يشير بيديه بعيدا  فألتفت…أنا لا أعلم ماذا يريد و هو يعتقد ببراءة الأطفال أني أفهم كل ما يقول…الصغيرة الهندية ذات الضفائر الطويلة أعجبها صاحب اللبس العجيب الذي  تلون بلون  البياض…فصارت تتقلب في حضنه و تلعب بغترته و عقاله ( قلت في نفسي : دنا تهزأت يا قدعان )…و تأتي مسرعة فتقفز فوق ظهري ممتطية…و السائق يحاول و بدون أي فائدة أن يبعدهم عن ضيفه…قلت له دعهم فأنا أفتقد مثل هذه اللحظات…و لولا الحياء لنزعت غترتي و عقالي و لتطاردنا أنا و الأطفال داخل غرفة النوم الرئيسية…  أشار الطفل بيده و  ضحكت الطفلة…و أنا ( باللغة الهندية باكتوني باهونيا ) يعني كالأطرش بالزفة….هرب الطفل بسرعة ثم تبعته أخته خارج الغرفة…ثم هي لحظة بسرعة البرق يعودان…و قد حمل كلاً  منهم ما لا يحمله الرجال الأقوياء من الألعاب…فمد لي سيارة كبيرة…و اخذ هو سيارة مثلها و أعطى أخته أصغر منها…ثم قال بالإشارة هيا نلعب….أوه كيف أتصرف معهم هل أردهم و  هم أطفال ….أو أني أنزل لمستوى البراءة الجميلة…قلت في نفسي بسم الله الرحمن الرحيم…و قرأت دعاء ركوب الدابة ثم … بدأت ألعب بلعبة السيارة…كنت أنا و الأطفال نلعب  على السرير…ويستخدمون الوسائد كمرتفعات صناعية…هم ينامون على بطونهم حتى يستمتعوا بلعبهم…..و أنا جالس ارقبهم و أحرك السيارة بيدي….كنت أريد أن استلقي على بطني  مثلهم و أعود للطفولة….لكن خشيت أن يأتي صديقي و أنا ملقى على بطني و بيدي سيارة على سرير  غرفة نومه الخاصة….فجأة….اخذ الطفل يتحدث بسرعة و بحماس…و لا ادري  ماذا أرد عليه…ثم نهض و تسلق الدولاب….قلت في نفسي لعله يريد أن يقفز من أعلى بحركة جمبازية بهلوانية…فهذه اللعبة تناسبني جداً…و عندما يأتي دوري سوف اقفز قفزة أكبر  منه…تمسك بأطراف الدولاب..حاول أن يلتقط شيئاً بعيداً….امسك بيده شيئاً كبيراً…سحبه….ثم أتى به إنه كالكتاب الكبير…ألقاه على السرير…أخذ يقلبه….إنه ألبوم صور العائلة…فيه  كل الصور الخاصة بعائلتهم…قلت للسائق بالإشارة لعلك ترفعه  فهذه خصوصيات… السائق فهمني بالخطأ…فقربه إلي و أخذ يقلبه و يطالع الصور بنهم…فكأنه وجدها فرصة أن يكشف  بعض الأسرار و يطلع على بعض المستور…ياربي ماذا افعل…أعرض بوجهي عن الطفل فيأتي لي بالألبوم من الجهة الأخرى….يريني صورة عماته و أعمامه…و أيام زواج أبيه  بأمه…عشرات الصور التي تحكي قصة حياة  العائلة…أخذت الألبوم منهم و أعطيته السائق حتى لا تظهر بقية الفضائح…..هي لحظات حتى أتى صاحبي و صديقي و أب هؤلاء  الأطفال…و هو يريني كيف أن الدماء قد لطخت ثيابه ….و هو فرح مسرور بهذه القربى التي قربها لربه…و يحمد الله كل لحظة…استأذن ثم ذهب لتغيير ملابسه…فلما أغتسل ..عاد و جلس على السرير وثم ذهب بسرعة إلى الدولاب…ثم احضر البوم الصور السابق ذكره…فقلت في نفسي كل هذا الحياء الذي كنت أتمسك به أمام الأطفال ثم يأتي صاحب الشأن و يكسر كل الحواجز…علمت أن الأمر هناك ليس فيه أي حواجز أو حسابات …أثناء حديثي مع صاحبي..كن النساء يتخافتن بصوت منخفض كطيور يغردن في قفص صغير …و كن يذهبن و  يجئن كل حين و بأيديهن صحون متنوعة…هي لحظات حتى قال صاحبي تفضلوا كلوا من القرباني…كانت وجبة متنوعة..و أفضل مافيها و هو الذي ذكرني  بأهلي…هو المقلقل من اللحم مع البهارات الحارة…و الرز البرياني الذي تم طبخ اللحوم معه بطريقة بارعة…أكلت حتى استحيت منهم…فلما توقفت قال صاحبي إذا توقفت فهذا يدل على أنه لم يعجبك الطبخ….قلت له لا بل هو لذيذ…فاستغنمت هذه الإشارة من صاحبي…فبدأت آكل من جديد حتى أثبت له أنني معجب جداً بطبخ بيتهم… انتهت الوليمة و تناولنا الشاي بعدها …و انتهت  العزومة…و تبقى لتلك اللحظات جمال لا يبارح صدري…و دعاء لصديقي أن منحني أن أعيش معهم كما كنت أقضي العيد مع أهلي…أحسست أننا أبناء المسلمين عالمنا واسع و إن  تباعدت المسافات …و إن اختلفت الألوان و لكن يبقى اللسان الناطق بالشهادة يجمعنا….لا أعلم كيف سيكون  حالي لو أنني قضيت ذلك العيد بعيداً عن أهلي و عائلتي و محبوساً في  غرفتي…أم كيف ينقضي الوقت علي و أنا أكلم أبي و أمي و أخوتي و أحس بفقدهم…لقد عشت  نفس الجو الذي أريده …أو بمعنى اصح هو جو العائلة الذي يذكرني بأهلي و أحبابي و   يجعلني أعيش عيداً من أعياد المسلمين…. أخوتي لا أعلم هل أنا لازلت في بوابة سويسرا أم أنني انتقلت إلى بوابة الهند…إن حديث الآلام يجعلني اسرح بعيداً…. أسرح و بلا حدود أسرح بعد المشرقين…و بُعد ما  بين الهند و سويسرا من المسافات و تنوع الأجواء و اختلاف القارات…فالمعذرة أن تجاوزت بكم كل الحدود ….و لم تمهلني تأملاتي لأعلم بأي صفحة  أنا…فقد كنت أفكر و أنا على سرير بسويسرا بنفس هذه الأفكار…. و أقول…لماذا أنا أضع نفسي بزاوية الضيق؟…. و لماذا أنا اذهب إلى هذا المكان البعيد؟….ثم أنادي بصوت مرتفع و  أقول أرجعوني…. أرجعوني…إني أختار بلاد ليست بلادي و أنا أعرف نفسي أني عن أهلي لا يمكن أن أستغني…إن آهات الليل في حياتي تعود بي إلى ذكرياتي…فاعلموا أنني عندما أقول لكم أنه أقبل الليل في أي رحلة سياحية…فسوف آتيكم بل ما يحرك المشاعر الحزينة…أو يذكرني بمواقف نجوت منها من مناظر الكآبة….لعلي الآن أترككم و أقول لكم أني لازلت في سويسرا…و سوف أسحب لحافي الذي على فراشي فأغطي وجهي لتستريحوا من إسهابي و أضع يدي على خدي و أعيش همومي لوحدي…فلعل النوم يتسلل إلى عيني و يريحني من همي قبل أن يقتل منابع الجمال في رحلتي…أو يلخبط برنامجي….ألقاكم على خير بعد أن رحلت أنا و إياكم خارج رحلتي…و لا أعلم هل هو حديث للذكريات أو حديث الأحلام التي  نراها في المنام…ألقاكم بصبح جنيف و الطريق إلى بحيرة السعادة…

أوربا , صور من الطبيعة ,فرنسا , سويسرا , </p> <p>ألمانيا ,آنسي , انترلاكن , بون
مع السلامة أخوتي

آسف على الإطالة…و عجبي من صبركم على أمثالي…و أعدكم أن تكون الصور في الحلقة القادمة أكثر من الحروف بإذن الله تعالى
محبكم / نسيم نجد

ملحوظة / هذه الحلقات كتبت مذ عدة سنوات و لم أراجعها بل تسختها و نقلتها  فالمعذرة  إن وجدتم أي خطأ في محتواها..بورك فيكم

عن سليمان الصقير

محب للسفر والترحال : مؤلفاتي : 1- 800 خطوة لرحلة سياحية ممتعة 2- 150 طريقة ليصل برك بأمك 3- أمي أنتِ جنتي 4- بنيتي لكِ حبي 5- مذكرات مدمن إنترنت

شاهد أيضاً

700إحداثية لمعالم ومزارات وحدائق وأسواق الدول التالية : تركيا – فرنسا – سويسرا – النمسا – إيطاليا -ألمانيا

بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أيها السادة هذه مجموع الموضوعات التي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.