مأساة طالب مبتعث

نسيم نجد يروي لكم : مأساة طالب ذهب للدراسة في أمريكا

 

 

أحبابي أقدم إليكم اليوم…و حروف لا تستطيع أن تجمع لكم كلمات هذه القصة..و قلبي يرتجف من هول المفاجأة…و نفسي تتردد بنقلها أو حجبها…أنقلها لكم بسند متصل…بيني و بين من يعرف صاحبها أخٌ ثقة….أقصها عليكم و أضعها بين أيديكم…لتكون للجميع عبرة و عظة…و لا أخفيكم فقد كتبتها و عيناي تسيلان أساً …و قلبي ينبض ألماً ..و يداي تخطان حزناً…كتبتها و لم استطع أكمالها من هول مافيها…فكتبها على مراحل حتى أنهيتها…كتبتها و أسأل الله أن يعافينا و يعافي صاحبها…

الحلقة الأولى ( 1 / 5 )
أيام الصغر و تحقق الحلم

نشأ الطفل الصغير بين أحضان والديه …فكان كأي طفل يحلم والداه أن ينشر بينهم السعادة في صغره…و يسلك سبل الخير في كبره…و يسعدهما في كل مراحل عمره…كان طفلاً صغيراً…يحمل في وجهه البراءة…و في نفسه الصفاء…و في قلبه بذرة الخير و النقاء…كانت عيون الأبوين لا تنفكان عن متابعته…و لا تملان من ملاحظته…و قلبهما عليه….و سعادتهم فيه….و كل حزنهم من أي مصاب يحل به….أمٌ تسهر على راحته…و أب يكدح من أجل مستقبله…همومها تنجلي ببسمة من ثغره…أحزانهما تتبعثر بنظرة من عينيه…كل الآهات تزول عند التلاقي مع وجهه…هو حياتهما…هو أملهما …هو الدنيا كلها بجمالها جمعت بصورته…تدرج في مراحل الطفولة…و كل مرحلة لها نعيمها…و كل مرحلة يرقبانها و يسعدان ببلوغها…يحبو فتغرد الدنيا….يخطو فتنبت الأرض من بعد خطواته بزهرها…يبكي فتَسوَدُ الدنيا من أطرافها و تغيب شمس حسنها ( الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا )….كبر فكبر الأمل…كبر فزال الألم…كبر و بدأت الشمس تشرق لغدٍ أجمل…كبر و أخذت الحياة زخرفها و أزينت لأهلها…أخذ من أمه العطف و الحنان…و أخذ من أبيه اللطف و الحكمة…و أخذ من أسرته التدين و الالتزام…و أخذ من طفولته وجه البراءة …و أخذ من كل خلق حسن أفضل خصاله….و من كل نبت طيب أفضل ثماره…و من كل جمال ممن حوله أكمل صفاته…العيون من حوله لا تنفك….فهو محل اهتمام الجميع بلطفه …و تدينه… و حكمته….بدأ سلم الحياة بدرجات….و أهم هذه الدرجات هي حفظ القرآن الكريم…فكان له ما أراد…حفظه و أصبح يترنم بتلاوته…و يعطر الكون بآياته….فتنزل السكينة على قلب تاليه و من حوله…كان حفظ القرآن الكريم هو أسمى غاية ..فقطفه…و أعظم طموح ….فوصله….و أهم الأولويات …فحققه…فرح أهله بتحقق هذا الحلم…كيف لا و الرسول صلى الله عليه و سلم يقول (مثل الذي يقرأ القرآن وهو حافظ له مع السفرة الكرام البررة)…فهل هناك أعظم من ذلك…و هل هناك أمنية تزيد على ذلك…و هل هناك فوز أكبر من كل ذلك….ارتسمت على وجه الأم و الأب ابتسامة الرضا….بأن تحقق أهم هدف…و بان على محياهما نور السعادة و الفخر…و حلقت بهما الدنيا عالياً بين كل من يعرفهما…لكن هل طموح الوالدين ينتهي عند حد من أجل سعادة أبنائهم…..لا …بل استمر مسلسل التضحية من أجله…فأرادا أن ينال أبنهما من حظ الدنيا…و أن يرتقي في سلم العلوم و المعارف…و أن يحقق نجاحاً يلامس به الثريا… فكانت الخطوة الثانية خطوة أليمة…. كلها أساً و ألماً على قلب الوالدين…و هموم و غموم تنزل على حياتهما…و لكن لابد أن تتم حتى يحسان أن بناؤهما قد أكتمل… للحديث بقية
نسيم نجد
الحلقة الثانية ( 2 / 5 )
الرحيل المر

و يستمر مسلسل التضحية من أجل الابن…فأرادا أن ينال أبنهما من حظ الدنيا…و أن يرتقي في سلم العلوم و المعارف…و أن يحقق نجاحاً يلامس به الثريا… فكانت الخطوة الثانية خطوة أليمة…. كلها أساً و ألماً على قلب الوالدين…و همومٌ و غمومٌ تنزل على حياتهما…و لكن لابد أن تتم حتى يُحسان أن بناؤهما قد أكتمل…فكانت خطوة البحث عن أرقى مكان ليتمم دراسته…فحضر اسم أمريكا كأفضل خيار…أمريكا الحلم…أمريكا حيث الجامعات و العلم…أمريكا حيث الشهادات المرموقة…و المكانة العالية…أمريكا حيث تكون من هناك البداية الصحيحة لكل حياة عملية ناجحة…بدأت الخطوات بتسارع للتحضير لسفر الابن…لملمت الأم أغراض أبنها…و الدموع لا تنفك عنها…تضع ثيابه في حقيبته فتقبلها و تكفكف دموعها مع كل قطعة تضعها و تودعها …يأمرها قلبها أن تعيدها مرة أخرى إلى صدرها و تضمها وتنعم برائحتها و لو للحظات بسيطة…فتحتضنها و هي باكية حزينة حتى تغرقها من نار دموعها…يدخل عليها أبنها فتمسح بسرعة آثار دموعها و تكتم شهقاتها وترسم ابتسامة تخفي خلفها كل أحزان الدنيا…تخفيها بقوة إرادة الأم من أجل أن لا يسكن الحزن صدر من يستعد لوداعها و حتى لا تشوش و تنغص عليه حياته المقبل عليها……لقد كتمت مشاعرها…حتى ضاق صدرها من نداء الوداع الذي يبعثر نبضات قلبها…فصارت النبضات إلى آهات …و تبدلت الابتسامة إلى بكاء…و تحول الحب إلى خوف…و انقلب الأمل إلى ألم….لقد تغلبت الأم على كل ألم يعتصرها و جمعت كل أغراضه…حتى أبسطها لكي لا يحتاج لمن حوله…و لم تنسى أن تضع فوق تلك الأكوام من الأغراض أهم شيء و هو القرآن الكريم…رغم أنه يحمله في قلبه لكن ليكون بين يده في كل حين ومعيناً بعد الله في كل ضائقة…أغلقت الحقيبة بيدها فشعرت أن الدنيا أغُلقت بوجهها…و سحبت حقيبته من غرفته فسحبت ستارة أول فصل من فصول الحرمان في قصة الأحزان…إنها تقتل نفسها كل حين ..و بأكثر من وسيلة..ففي كل حركة من حركاتها تحس أنها تغرس خنجراً في قلبها…و يزيد من آلامها تساؤلات تنبعث من داخلها …كل تساؤل يحرك في القلب اللوعة …ويبعث بالنفس الخوف…فتارة تقول في نفسها …هل يعقل أن أدفع أبني لأن يسافر و يتركني ؟!…و مرة أخرى تفكر و تقول : هل يعقل أن إنسان يحرم نفسه من قلبه ؟!…و هل يعقل أن إنسان ينتزع روحه و يأمرها أن تغادره ؟!…هي تساؤلات تطردها بأن تتعوذ من الشيطان الرجيم…و أن الحياة خطوات و أنها تامات بأقدار معلومة….الوقت لا يسمح بالكثير من التساؤلات…فلقد حان الرحيل …و كان يوم الوداع …فكانت لحظات الوداع صعبة…و الأنفاس في ذلك الوقت مكتومة….و شريط العمر يمر من أمام أعينهم جميعاً…فيتذكروا طفلهما في صغره…و هو يركض بين والديه…و يحتضن أمه و يصعد فوق ظهر أبيه…تظهر صورة طفلهما في بعض حالات مرضه…و هو يتأوه من ألم نزل به…فتسهر الأم وهي تذرف عليه دمعها….و الأب يتقلب لا يعرف كيف يتصرف حياله…و تظهر صورة ابنهما و هو في أول مراحل دراسته…عندما ألبسته أمه لباس المراحل الأولى…و قبّلها في أول صبح من حياته الدراسية…و كيف فقدت أنس من كان يملئ عليها نهارها…ظهرت صورة أبنهما وهو يشب أمامها…و هي تَعُد الأيام من خلفه…و تحفظ سنه…و تراجع ذكرياته…وتلاحقه في كافة مراحل حياته…ظهرت صورة الابن و هو يسامرهما بعد مكبره و يلاطفهما بعد بلوغه …تظهر صورته و هو يترنم بالقرآن الكريم في حفل تكريم الحفظة …فتدمع العيون و الناس كلهم إليهم ينظرون و لهم يغبطون…شريط الحياة ينقطع عن الاستمرار…تحت شهقة من الأم تعجز أن تحبسها…فتنفجر بالبكاء…الأب ينزل رأسه بالأرض ليخفي عن أبنه دموع حرى تشق طريقها لتضع وسماً أبدياً على خده…الابن يصمت في هذا الموقف الرهيب…و نفسه تنازعه أن لا يكمل هذه الخطوة…خطوة الدراسة بالخارج…و تأمره نفسه أن يجلس تحت أقدام والديه…و أن يكمل العمر كله معهما…لكن الأب يعلم صعوبة هذه اللحظات و أنها تحمل الأسى للكل…فقطع كل طريق على كل تفكير…فقال لأبنه لقد تأخرنا عن الطائرة…فانفجر الكل بالبكاء…الأب و الأم و الابن و من حولهم من الصغار…الذي يُعد بالنسبة لهم أخاً عطوفاً و سنداً قوياً…ذهبت العائلة كلها للمطار لتودعه…كان الكل يريد أن يكون بجانبه…دخلوا المطار …فلما وصلوا منفذ الجوازات…طبع قبلة على رأس أمه و أبيه و احتضناه طويلاً…في منظر يهز أرجاء الصالة…لم يستطع أياً منهم أن ينفك من أحضان الآخر….نزع الابن نفسه من صدر أمه… فنزع معه قلبها و روحها و كل سعادتها…ذهب لأخوته الصغار فقبّلهم…و سار في طريق السائرين في طريق المغادرة…كان في كل لحظة ينظر إلى الخلف حيث أباه و أمه….و كانت تلك الدموع التي تسيل على الوجوه و تبرق هي القاسم المشترك بين الجميع…و كانت الشهقات هي الحديث المسموع فيصل سهامها إلى قلبه…سار الابن من بين الجموع و انعدمت الأصوات إلا من صوته الذي يعلوا…واختفت كل المشاهد إلا من جسمه النحيل الذي يصغر….و ماهي إلا لحظات بسيطة حتى خف صوت قرع نعاله …و ذاب الابن وسط الطابور الطويل للمسافرين…و هو يحاول جاهداً أن يرفع جسمه على أطراف أصابعه ليلمح و لو للحظة وجه أعز الناس عليه…و أمه تلتفت برأسها يمنة و يسره لعلها تنعم بنظرة و لو لظهر ابنها الذي أخفته الجموع التي اكتظت بهم الصالة…وقفوا من بعده طويلاً ..رغم أن ابنهم ابتلعته الصالة…و قفوا ليستنشقوا بقايا من عطره الذي خلفه في أرجاء محيطه…و ينعموا بنسمات لامست جسمه…أو لعل الله يكرمهم بنظرة بأي وسيلة…وقفوا و لم ييأسوا…حتى قطع صوت المذ
يع الداخلي للصالة بإعلان أقلاع الرحلة المتوجهة لأمريكا…تقطعت معها نياط القلب…و حلقت الروح في تلك السماء مع الابن…و طارت مع مركبه كل ألوان السعادة…و حل الحزن بسواده..استدار الأب ليخرج من الصالة و تبعه أبناؤه….و بقيت الأم و حيدة في الصالة وهي تريد أن تصرخ بأعلى صوتها …أعيدوا إليّ ابني لا أريد أن يكمل دراسته….ولا أريد أن يبتعد عني…أسألوه إنه لا يصبر عني حضني…رجع الأب و سندها و أخذها و هو يواسيها و هو المكلوم…ويصبرها و هو المجروح…و يقرأ عليها من الآيات و هو الحائر التائه الحزين….هدأت الأصوات في المركبة إلى من أسئلة تحوم في فضاء المركبة و كأنها تنتقل من فرد إلى فرد… سؤال يتكرر و بخفية بقلب الوالدين… لماذا نختار همومنا بأيدينا ؟…و نتصيد الأحزان لنودعها قلوبنا ؟…و نكتب قصة التعاسة بفصولها الطويلة على جدران حياتنا ؟…لماذا نختار الموت البطيء لينهش أرواحنا و يُبقي لنا أجساماً خاوية ؟…فتنطق الأمومة من ثغر يتحشرج بالألم و بكلمات من قلب يعتصره الهم ..فتنطق النفس المؤمنة الصادقة لتقطع كل تساؤل …و تذهب بكل وسواس…حفظك الله يا أبني و وفقك …ثم تتبعها بكلمات تُدفع فداءً لكل ابن يمشي على الأرض فتقول : ( عسى يومي قبل يومك…و عساي ما ذوق حزنك )….أما حال الأب بعد فراق أبنه فهو خطير…فهو يؤثر أن يتجرع الألم و يحتفظ الأبناء بكامل حصتهم من السعادة…يتحمل كل المحن و أن يبقى الأبناء خلف جدران محصنة عن الحزن….يال حسرة الوالدين أخذوا من ورقات حياتهم فوضعوها في دفتر حياة أبنائهم…و أخذوا من كأس سعادتهم فسكبوه في كأس سعادة فلذاتهم…و فقدوا بالحزن أبصارهم من أجل أن ينيروا طريق أحلامهم…( يارب إن أحييتنا فاجعلنا في طاعتك و أسعدنا باسعادهم…و إن توفيتنا قبلهم فألهمهم صبراً يُسكن قلوبهم فيطمئنهم على فراقنا..فيكفيهم أن تذوقوا ساعات الحزن من أجلنا في حياتنا…و ألهمنا من بعدهما رضاً منهم يجعل رضاك يحل علينا )…يال الحياة الكئيبة…لقد عادوا من المطار و نقص عدد الأبناء…و النفس تسأل و بإلحاح متى اللقاء ؟!….ألقاكم بإذن الله في الحلقة القادمة في أرض الغربة
نسيم نجد
الحلقة الثالثة ( 3 / 5 )
أرض الغربة
خلت الدنيا من وجه ذلك القمر…و أغلقت غرفة ذلك الابن…فصارت مزاراً يشهد حضور الأم كل مساء…تجلس على كرسيه و تتذكر لحظاتها معه…و تقلب دفاتره و تشم عطره و تقبل ثيابه…و تَظهر صورته على جدران غرفته…و يتهيأ لها أنها تخاطبه…أو أن الباب ينفتح فتلتفت مسرعة لعلها تجده…و لكن كل ذلك سراب لا يغني من عطش الحرمان..لقد عاشت أياماً و ليالي لا تذوق للنوم طعماً…و لا للحياة بنظرها لوناً…حتى أشفق عليها كل من حولها…و قالوا إنك تبحثين عن الموت بنفسك…( (83) وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84) قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ (85) قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (86) )…صبرت…و تجرعت…و تألمت…و ذاقت…من كل مرٍ أكثره علقماً…و من كل حزنٍ أشده ألماً….و من كل همٍ أقساه أساً…حتى صار وجهها شاحباً…و أنكر صورتها كل من يعرفها…و أيقن الجميع بهلاكها إذ لم يتداركها رب العالمين بعنايته…و لكن لطف الله ينزل …فتحل بالقلب السكينة فيهون ذلك المصاب…و فسحة الأمل تبرق..فتنشر بالقلب الطمأنينة و تبعث بالقلب البشرى التي تنشدها و تعلقها برجوع ابنها…و الكرب يخفف مما يحمله قلب الأم من الحب…و الهم يزول في سبيل التضحية من أجل الابن….بدأت الأيام تتساقط من رزنامة الحياة…و كل يوم يكون هناك اتصال و حديث مع الابن…
أما على الجانب الآخر هبط الابن في أرض أمريكا…ونظر للكون من حوله….فنظر إلى السماء فوجدها زرقاء تنتشر فيها قطع من السحب المتناثرة…و الأرض خضراء و هي بشكل جديد بتضاريسها المختلفة جبال و وهاد و مرتفعات و منخفضات قد لبست حلل متنوعة ورود و أعشاب و أنهار و أشجار …و ورغم ذلك فكل مايحيط به…وجده باهتاً رغم جماله…وجده عكراً رغم صفاءه…وجده حزيناً رغم لوحة السعادة التي يتظاهر بها…الغربة بدأت باستقبال يليق بالضيف الجديد…فهي ترسل ثقلها كله لتضعه على صدره…فأصبح كمن يتنفس من ثقب إبرة…و بدأ يحس كأنه يعيش في سجن مفتوح…رفيقه في هذه الغربة…بعض ذكرياته…و سيلاً من دموعه …و كل أحزانه…خطواته في غربته ثقيلة …و نومه كوابيس مزعجة…و ابتسامته صارت لوحة منسية … لحظات الابن الأولى في تلك الديار كانت عصيبة… و أيامه كانت شديدة….مجتمع لم يتعود على طباعه….مدينة لم يعرف طرقاتها…بيئة كاملة تختلف عن بيئته…فلا المباني تشبه بناء بلده …و لا الخدمات تتوافق على ماتعود عليه في دياره…كل شيء جديد عليه…الوجوه …الطبيعة… السكن ….الأكل… و الحياة بكبرها مختلفة……إنه يحاول أن يسير إلى الأمل بخطى سريعة…فهو يعد الأيام التي تفصله عن أمله و أهله و يتمنى أن تنقضي لحظاتها…و أن يعود لحضن أمه…و أن يرسم البسمة على محياهم…كانت الدنيا كلها تظهر صورة الأم الصبورة في عينيه… و كل أمله تحقيق سعادتها… لا يؤنس و حشته إلا آيات يحفظها في قلبه… و لم يكن يزيل همه وحدته و غربته إلى مسجد يقع في أطراف مدينته الجديدة…يقضي فيه وقته و يتلوا آيات ربه…و يراجع حفظة…كان أول الداخلين للمسجد و آخر المنصرفين…كان حمامة المسجد بكل ما تعنيه الكلمة ( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله إمام عادل وشاب نشاء في طاعة الله ورجل قلبه معلق بالمساجد …الحديث ) …أما في الجامعة فالوضع عليه أكثر غرابة …شباب و شابات..اهتمامات مختلفة…و حريات منفتحة…و عالم آخر…كان يعلم أن النظر سهم مسوم من سهام إبليس…و كان يتذكر أن قلبه الذي يحمل القرآن يجب أن يحافظ عليه بالحفاظ على نظره و من السهام المسمومة (النظرة سهم مسموم من سهام إبليس )
شكوت إلى وكيع سوء حفظي * * * فأرشدني إلى ترك المعاصي
وقال اعلم بأن العلم نــــور * * * ونــور الله لا يهـدى لعـاصي

كانت الجامعة و متطلباتها كثيرة …و الدراسة ضغوطها عظيمة…و الحياة قاسية فهي تدوس بأقدامها على كل مصادر السعادة…فيبحث كل باحث عما ينفس به عن نفسه…و عما يخفف به عن آهات صدره…و أن يدفع عنه نبضات حزنه التي تدق نواقيسها في كل حين…فكلٌ يعمل على شاكلته…فالطيب من الناس يبحث عن صحبة طيبة…و يتجه إلى الصالحين ممن حوله….و السيئين يتخذون نفاخ الكير لإدخال السرور المزيف إلى قلوبهم…فهناك راية الحرية مرفوعة…و الأماكن مفتوحة…و كل مناد ينادي أن السعادة لدينا…… فمنهم من أعطاه الله الحكمة… فرأى بعض مشاهد الحياة البهيمية هناك فزاد تمسكه…و شاهد غربة الإسلام فزاد حبه….و وجد أرض الدعوة خصبه فعمل عمل الرسل فهو في كل ناد يجهد و يبذل…بل إن بعضهم ذهب من هنا خالي الفكر و العقل من كل محمود ثم عاد داعية إلى الله… و ليس الكل كذلك فعلى الجانب الآخر …فبعض من كان يصلي تدب فيه سموم التغريب و يترك الصلاة …و من كان محافظاً تلاحقه الفتن حتى يقع…و من كان متدين يصاب بتداخلات من الفكر تجعله حائراً مهموماً عاجزاً عن دفع كل تلك البلايا… ….أما صاحبنا هذا فهو ظل محافظاً على الصلاة و مستزيداً من الطاعات و يجاهد بدفع البلاء كل يوم و كل حين… و لكن هل ييأس الشيطان من بني البشر…و هل الحياة سوى محل ابتلاء و فتن…و مكان اختبار و محن…في كل صبح يرسل الشيطان على ذلك الغريب المسلم سهامه ..لعله يقع في كماشة آثامه…أو يخطوا خطوة أولى في طريقه…لأنه يعلم أن الخطوة الأولى هي الخطوة الأهم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ)…..و في يوم من أيام الدراسة ظهرت الشمس من المشرق لتعلن بدء يوم جديد…ارتشف آخر فنجال القهوة…ثم جمع بعض مذكراته…و ذهب إلى الجامعة كعادته…جلس في القاعة…قلب نظره بمن حوله…و بدأ يتفحص القاعة التي حفظ شكلها و رسمها …يكرر النظر ليقطع الوقت حتى يحين قدوم الدكتور… هناك…في ركن بعيد من القاعة كانت تجلس فتاة…فتاة أمريكية بكل ما تعنيه الكلمة…شعر أشقر مجعد …و عيون زرقاء واسعة …و بشرة بيضاء محمرة…
و نلقاكم أخوتي في الحلقة القادمة بإذن الله تعالى

نسيم نجد
الحلقة الرابعة ( 4 / 5 )

الحور بعد الكور
هناك…في ركن بعيد من القاعة كانت تجلس فتاة…فتاة أمريكية بكل ما تعنيه الكلمة…شعر أشقر مجعد …و عيون زرقاء واسعة …و بشرة بيضاء محمرة… فلم يكن الشيطان ليفوت مثل هذه الفرصة….فكان يأمره أن يختلس النظر إليها كل فترة…و نفسه المؤمنة تصارعه و تحاول أن تبعده عن مثل هذا الموقف…و هو صراع أبدي حتى قيام الساعة …و لعل موقف الأمام أحمد بن حنبل عندما حضرته الوفاة وزاره الشيطان كان عبرة …فهو يعلم أن المرء بدار اختبار مستمر حتى يصل إلى الرمق الأخير (( فهو إمام أهل السنة الذي مات واهتزت الدنيا لموته رضي الله عنه وأرضاه لمواقفه العظيمة، لما جاءه الموت كانوا يقولون له: قل: لا إله إلا الله… فيقول: لا بعد… فلما أفاق قالوا: يرحمك الله يا إمام… نقول لك: قل: لا إله إلا الله فتقول: لا بعد…. قال: لم أكن أكلمكم جاءني الشيطان فقال لي: فتني يا أحيمد ، يقول: فتني… يقول: يريد أن يصطادني في آخر لحظة في إدخال العجب والغرور إلى نفسي فأقول: نعم. يمكن يصيدني في تلك اللحظة… فأقول له: لا. ما فتك يا عدو الله! العداوة قائمة بيني وبينك إلى أن تخرج روحي وألحق بربي هناك لن تقدر عليَّ…)) …كان الشاب في صراع داخلي بين نفسه الأمارة بالسوء و النفس المؤمنة المطمئنة…فنفسه الأمارة بالسوء تدعوه لأن ينظر نظرة واحدة…فهي لن تعتبر كارثة…فكان لها ما أرادت…و أطاعها و انقاد خلفها بنظرة….ثم بسيل من النظرات…فازداد إعجابه بالفتاة…و عندما يحس أنها تلحظه ببصرها يبعد نظره عنها…و استمرت السهام التي تنطلق منه و تصيب قلبه…و مع الأيام تحولت تلك النظرات إلى علاقة متينة تزداد مع متطلبات الجامعة التي تجعل الأواصر بين الطلاب قوية….ثم توثقت الأمور أكثر و أكثر بين هذا الشاب و تلك الفتاة…و تتابعت الخطوات…حتى اقتربت النفوس من بعضها…و تعلقت القلوب ببعضها…و تنشأ علاقة جديدة …ليست هي علاقة دراسة أو علاقة عمل طلابي…و كل ذلك تحت أوهام و وتزيين الشيطان…هي تارة باسم التعاون من أجل النجاح..و تارة بعنوان الاندماج مع الآخرين…و تارة باسم الحرية……لقد أختلفت نبضات القلب اتجاه تلك الفتاة…و بدأت تتغير في نفس ذلك المسلم الكثير من مبادئ الحياة…فبدأ يقلل من مراجعة حفظه و التأمل بالآيات…و لا يرتاد المسجد في كثير من الأوقات…و يزداد تعلقه كل يوم بتلك الفتاة…حتى أخذت لب علقه…و كل اهتمامه…
على الطرف الآخر قلت الاتصالات بأهله…و نور قلبه…و بدأت تقل لحظات اهتمامه بأمه…و كل عذره أمامهم أن مشاغل الدراسة تلهيه عن كل اهتمام…و أن الحياة هناك كرسها لنيل أعلى الدرجات…فتعذره أمه و تطلب منه أن لا ينشغل عن دراسته …و لا تنسى أن تذكره بأن يراجع حفظه من آيات ربه….توثقت العلاقة بين الطالب المسلم و الفتاة الأمريكية…فأراد أن يتقدم خطوة…و أن يبني حياته …فطلب منها الزواج…فأصطدم هذا الزواج بعقبة لم يحسب حسابها …و لم يدر في خلده مثلها….وهي اختلاف الديانتين…فلا يمكن أن يتحقق الزواج… إلا أن يتوافقا على نفس الطريق …و أن يجتمعا تحت نفس الديانة….و إلا حياتهم الجديدة و حبهم الزائف إلى انهيار……كانت بالنسبة له صدمة…و صدمة عنيفة ….كيف يخير في دينه الذي عاش فيه كل حياته ؟…دينه الذي عُرف بالتمسك به…دينه الذي بذل نفسه في سبيله في كل سني عمره…دينه الإسلام الذي ُختمت به الأديان و هو منبع السلام…دينه الذي رضع كل شعائره من صدر أمه و أهله و بلده …ملته التي لم يكن يوماً من الأيام يتخيل أن يساوم عليها أو يقع في خيار فيها أو يفكر أن يفكر بغيرها….و على الطرف الآخر…كان الشيطان حاضر الذهن …مستعد لمثل هذا الخيار…فبدأ يغريه و يذكره بفتاته…فكان يذكره بأحلامه التي زينت بنظرة ….و عاهدها أن يبذل كل شيء في سبيلها…فتاته التي أملى له الشيطان أن حظه قد قاده للقدوم إلى هذه الأرض من أجل أن يظفر بها و تكون من نصيبه….فكر…ثم فكر…ثم قدر…فكان القرار…الذي أختاره …و القرار الذي أملاه عليه الشيطان ( الحمد لله الذي عافاني مما أبتلاه به و فضلني على كثير ممن خلق تفضيلا….اللهم إنا نسألك الثبات بالدنيا و الآخرة….ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا…. اللهم يامقلب القلوب ثبت قلبي على دينك)..فكان القرار الذي نطق به و هو من صنع الشيطان…نطق به و أملاه عليه من وعده بالخسران…فقرر أن يفوز بالفتاة النصرانية و أن يدخل دينها…و على نفس ورقة القرار نطق بحكم إعدام حياته الأبدية إذ لم يتداركه الله بعنايته و يعود و يتوب من جديد…لقد قرر أن يدخل النصرانية من أجل تلك الفتاة و من أجل أن يرتبط بها…لقد اختار أن يكون في ملتها…فيال الحزن…و يال الأسى على ذلك الفتى ( اللهم رب العالمين إن قلوب العباد بين أصبعين من أصابعك تقلبهما كيف تشاء…فاللهم نسألك الثبات حتى الممات و حياة السعداء بعد الممات…)….لقد استبدل كل حسن بكل سيء إذ لم يعد و يتوب و يرجع ( نسأل الله له ذلك )… لقد استبدل الصراط المستقيم بطريق الضالين من أصحاب الجحيم ….(4) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (5) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ (6) غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ (7) لقد استبدل التوحيد (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) و اختار التثليث ( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ )…و استبدل من نهايتهم الاطمئنان و الراحة ( الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) بمن مستقرهم الضنك و الضيق ( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126) )….و استبدل ملة من مصيرهم بياض الوجوه و تغشاهم السعادة بمن منتهاهم بسوادها و مصيرهم التعاسة ((105) يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (107) )…واستبدل طرق خير البرية بطريق شر البرية ((5) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7) )….و استبدل نهج المتقين (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً ) بخسارة الطاغين ((20) إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً (21) لِلطَّاغِينَ مَآباً (22) )….فهل فكر كيف كان مصيره بالحياة الدنيا و السعادة التي كان يتقلب بها و كيف استبدلها بالتعاسة الدائمة في الحياة و بعد الممات…هل تأمل كيف تتلقى الملائكة من ظلم نفسه ((27) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (29) )….لقد استبدل الروضة و المسجد بالكنيسة…و القرآن بالإنجيل…والدعاة بالرهبان…و استبدل صوت الآذان بقرع الأجراس.. و استبدل المحراب بالصليب….و الدعاء بالتثليث…والنور بالظلال….و الأمن بالخوف…و الخير بالشر…و الحسن بالقبح…. إن الحزن يخيم على الكون…فماذا نقول لمحرابٍ يبحث عن ساجد كان لله قائم ؟…و ماذا سنقول للكون عندما ينتظر من كان تالياً لآيات الله يترنم ؟…و ماذا نقول لقطرات ماءٍ سوف تحرم من وضوء مسلم ؟…و ماذا سيكون مصير عيونٍ حين تفقد دموعاً لله تسكب…و قلباً لله يخشع…و جبيناً لله
يسجد…و يداً لله تتضرع…و حياة لله تبذل…ليته يتفكر بهذه الآيات فقد ذاق من قبل السعادة التي رسمها الله للسعداء بالدنيا والآخرة …و أراد سعادة عاجلة فانية…فليته يستيقظ من سباته قبل أن يحل القدر و لا ينفع ساعة مندم..فهنا في هذه الآيات مصير من اختار طريق الفلاح و من اختار طريق النار فحق عليهم العذاب و أصابتهم الندامة و العياذ بالله (وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ (12) وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13) فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (14) إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (15) تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16) فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17) أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لا يَسْتَوُونَ (18) أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلاً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (19) وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (20) ..لا حول و لا قوة إلا بالله…و نسأل الله الثبات…لقد كان للخبر وقعه على الأب و الأم ..فكيف نزل الخبر الصاعقة…فنلقاكم بإذن الله تعالى في الحلقة القادمة الحلقة الأخير…
نسيم نجد
الحلقة الأخيرة ( 5 / 5 )
نهاية أمل
لقد تلونت الحياة بعد تلك الحادثة في عيني بلونٍ أسود…و ذهبت نفسي حسرات…و خفت عليها أكثر من قبل…و سألت الله الثبات….هل كانت هذه نهاية القصة….لا …بل كان وقع الخبر على الأب و الأم أكبر و أعظم…كيف يكون الحدث على من بذل كل عمره من أجل رفعة ابنه…كيف تكون الحياة على من أفنى كل حياته في سبيله …لقد وصل الخبر إلى الأب و الأم…فكان الخبر كعاصفة هوجاء أسقطت كل ورقة من ورقات العمر التي بذلت من أجل ذلك الفتى…كان كصاعقة ساقطة من السماء فأحرقت كل شيء على الأرض الخضراء…كان كزلزال هدم كل بناء…و أزال كل عماد…لقد سقط تشييد العمر…و صار كل شيء في لحظة كسراب…لقد بكت الدموع من بكاء الأم…و أشفقت الشهقات من ويلاتها…و حزن الحزن من شديد أساها…و أظلمت الدنيا من انطفاء نور وجهها….و لقد تحولت نظرات مَن حولها و إعجابهم بها و بتربيتها إلى نظرات إشفاق و رحمة…لقد خفضت رأسها بعد أن رفعته طويلاً…لقد صارت منزوية في جنبات الحياة بعد أن كانت تتباهي بمكانتها زمناً طويلاً…لقد وقع الخبر…و لم تصدق هل هو حقيقة أم إشاعة…هل هو صدق أم كذب…هل هي في علم أو حلم…لقد وقع الخبر…فسرى في جسمها و أكل من صحتها حتى أقعدها على السرير الأبيض…فصارت طريحة الفراش…و جاورها الهم في غرفتها…و هاجر حلمها الذي بنته في سني عمرها إلى غير رجعة…لقد أصيبت بجلطة…تعطلت معها كل آمالها…و خارت بسببها كل أحلامها…و ماتت منها كل سعادتها…و صارت الدنيا بعينها إلى زوال…و الحياة كابوس ينطق بالحرمان …و الكون عامر بالخراب…لقد فُقد أحلى حلم..و طارت من بين يديها أعز أمنية…و لكن ليس هناك إلا الصبر و الاحتساب….على الطرف الآخر كان الأب يتمتم وهو بين مصدق و مكذب للخبر …و الأمل لازال يحدوه و يقول : أدعوا له بالهدايه و أطلبوا له من الله العودة…لعل الله ينير قلبه و يعيده إلى سابق عهده ….ربنا أنت أعلم بمافي قلوبنا…و أنت أرحم بخلقك منا…اللهم رده إليك رداً جميلاً….و أعده إلى جادة الصواب عاجلاً غير آجلاً…اللهم يارب العباد يالطيف ياودود ياغفور يا فعال لما تريد…يامن تقول للشيء كن فيكون…يامن و صل لطفك الطغاة…و نال حلمك العصاة… يامن قلت لموسى في خطاب فرعون ((43) فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44) ) …و هو من طغى…و قال أنا ربكم الأعلى…فنسألك أن تلطف بهذا الشاب و بأهله و أن تنير بصره ….فإنا نخاف على كل سائر بطريق الغواية من الموت و سكرته.. و القبر و كربته …و السؤال و شدائده …فهناك يتضح الحق و يزول اللبس( (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [16) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18) وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20) وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (21) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22) وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ (23) أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (25) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ (26) قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (27) قَالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (29) يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (30) وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) )…و نخشى على كل من جانب الصواب أن يصل للوقت المعلوم…يوم تصل الروح للحلقوم….حيث لا يمكنه أن يرجع أو يعود…إننا نخاف من ساعات عصيبة …يوم يلتف الساق بالساق… و تحين ساعة الفراق… و يتذكر الإنسان ماسعى ((23) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (24) تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ (25) كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ (26) وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ (27) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ (28) وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (29) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ) و نخاف على من سلك سبيل الغي من النار و مافيها من أهوال…من حسرتها و ندامتها و ما أعد لأصحابها من لظى و ويل و زقوم ((42) إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الْأَثِيمِ (44) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (46) خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ (47) ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ (48) ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49))…إنا نشفق أن يحشر كل من ظل عن الصراط مع فرعون و هامان و قارون و كل متكبر كافر و كل طغاة الأرض من كل أمة (أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (105) قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ (106) رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (107) قَالَ اخْسَأُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ (108) ) و نخاف أن يكون من المجرمين الذين يخلدون في النار حتى أنهم يتمنون ال

عن سليمان الصقير

محب للسفر والترحال : مؤلفاتي : 1- 800 خطوة لرحلة سياحية ممتعة 2- 150 طريقة ليصل برك بأمك 3- أمي أنتِ جنتي 4- بنيتي لكِ حبي 5- مذكرات مدمن إنترنت

شاهد أيضاً

كيف نجعل هذا الشتاء دفء على المحتاجين والفقراء (فضلاً ساهم بنشرها)

كيف نجعل هذا الشتاء دفء على الفقراء.. عبر هذه النشرة التي نشرتها جمعية فتاة البدائع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.