الله يعافيك (لا تقابلني ولا تغديني ولا تعشيني)
يقول المثل : قابلني ولا تغديني..وهو مثال يحث على حسن الاستقبال والتلطف مع الضيف ويهتم بالجانب المعنوي وإن قل المقدار في الجانب المادي, ولكن أنا أقول فضلاً وكرماً (لا تقابلني ولا تغديني ولا تعشيني). أقولها لذلك السائح من بلدي أو بلدتي, وفي أحيان يكون من جماعتي أو الحي الذي أسكن فيه فيلامس كتفي كتفه في بلدي ولا يسلم علي ولا يتبسم في وجهي, وعندما يقابلني في الخارج أجده يهب للسلام فينقض علي كما ينقض الذئب على فريسته, فيطبع قبله ذات ليمين وقبله ذات الشمال ويعيد الكرة مرة تلو مرة حتى يبلغ العشر أو أضعاف مضاعفة بحسب قوة (الحنك) لديه.
ثم يبدأ بصغاري فيقبلهم بشكل(رشخه) ذات صوت وقوة تدل على دلال وعطف ورحمة, ثم يتبعها بكلمة أشد قسوة من تلك الرشخة ويقول (شكلك أطيب من أبوك). ثم يستدير بوجه بزاوية حرجة فيوجه نظرة سريعة (للمدام) فكأنه يعمل مسح (سكنر) مستعجل لحالها ولبسها وحشمتها وكأنه يريد أن يحتفظ بصورة لليوم الأسود يستخدمها للوي اليد.
ثم يعود من حيث بدأ ويبدأ بالسؤال بقوله (وشلونكم عساكم طيبين × 10مرات) حتى تتعب وتكل وتمل من تكراره وسؤاله وبرغم أن الجواب واحد ولكنه لا يتململ ولا يتضجر.
ثم تبدأ فقرة تقديم النصائح الذهبية, افعل لا تفعل, أقدم وأحجم, احذر تسلم. فتحذيرات للأولاد من خطر هذه البلاد, فيقول: كم من صديق حضر مع كامل أفراد أسرته, ثم عاد وقد اختطفت أبنته وأرعب أبنه, وشتت شملهم, وفرق جمعهم, وكانت السفرة وبال عليهم (وعلى الذين خلفوهم), ثم يلتفت على أطفالي ويقول احذروا ثم احذروا ويرفع صوته لتسمع أم الأولاد تحذيراته وتنبيهاته.
ثم يبدأ بفتح ملف المطاعم, فيقول إياك ومطاعمهم فإن لديهم لحوم الخنازير منتشرة, و إياك والدجاج فهي تقتل بالصعق الكهربائي, وإياك ولحم الضأن فإن ذبحها يتم عبر طرق رأسها بمطرق حتى تكون فطيس يثقل وزنه بعدم خروج الدم من جسمه, وكذلك الحذر من لحوم الأسماك فهي تقلى بزيت غضاريف ركب الخنازير, وإياك من الحلويات فهي مكونة من الشحوم المعفنة من صغار الخنيزيرات, وإياك والشيكولاتات فهي مشبعة بالكحول والمسكرات, وإياك إياك من الأجبان ففيها من كل عفن صنفان, وإياك والمطاعم بشكل عام فهي بيت الداء ومسكن الأمراض وبيت الديدان.
وتسأله ماذا آكل فيقول لك كان عليك أن تحضر أكلك من بلادك, فهنا في المآكل الأمراض فإنفلونزا الخنازير منتشرة, وجنون البقر قد أصاب كل عائلة, وحتى الدواجن أصابهن ما أصاب الخنازير فصار الحم والبيض مصاب بإنفلونزا شديدة العدوى والتأثير..فيراك متأثر فيقول لا تخف كن نباتياً, كل خس, وجرجير, وبقدونس, وفص بصل, وثوم, ونوع بالخيار والطماطم, والقرع والباذنجان, ولكن لا تسرف فحتى هذه النباتات يتم تغذيتها بأصناف من الكيماويات تقطع الذرية وتصيب بالكثير من الأمراض الخفية.
ثم يقلب الصفحة إلى الصفحة الأمنية فيقول لا تأمن صاحب الفندق, ولا عمال النظافة فهم في وقت خروجكم يفتشون كل اغراضكم ويسرقون مايحتاجون من أمتعتكم, ولا تأمن الاستقبال على أرقام بطاقاتك فهو يخزن الرقم ليستخدمه بعد مدة ليخفي جريمته, ثم يتبع وإن أردت نصيحتي فاجعل بين أفراد الأسرة مناوبة فرقة تقوم بالحماية بالليل وأخرى تنام حتى تستيقظ أختها, ولا تأمن صاحب الأجرة فقليل منهم من يكون صاحب أمانة, ولا تأمن المغتربين هناك من المسلمين فقد تطبعوا بطباع أهل ذاك الدين.
واحذر من المسجد الفلاني فتقوده جالية الدولة الفلانية, وإياك من الجامع العلاني ففيه حضور كثيف يجلب للنفس الشك فأمره مريب, وإياك أن تصلي إلا في بيتك جماعة مع أبنك أو زوجتك.
وإياك أن تخرج آخر الليل فالأمن غير مستتب, وإياك والخروج قبل شروق الشمس فهذا وقت عودة اللصوص لبيوتهم فقد يقابل بعد ليلة لم يجد فيها مايسرق فتكون غنيمة باردة له فتسب أو تقتل أو تحرق, وإياك و الزحام ففيها تسرق كل غالي من الأثمان, وإياك والممرات المهجورة ففيها من كل بلاء وهي مجمع الساقطين من الفتيات والغلمان.
وإياك والمرتفعات فيها الضغط يصل لأعلى المستويات, وإياك وقمم الجليد ففيها يتجمد الدم في الوريد, وإياك والبحيرات ففيها التماسيح والثعابين والبعوض وكل الآفات, وإياك والغابات فهي بيت الحيوانات المفترسات والحيات, وإياك والوديان ففيها تصب كل مياه الجبال بعد الأمطار, وإياك من الحدائق ففيها كل فعل غير لائق.
وانتبه لمسبح الفندق ففيه أبنك قد يغرق, واحذر من الشرفة فقد يسقط أبنك من أعلى البناية وليست هذه النكاية بل المشكلة أنه قد يسقط على بعض المارة فيموتون سوياً وتلزمك شركات التأمين بتسديد التعويضات طول عمرك.
ثم يختم بقوله إنني زرت كل البلدان ولم أجد مثل العودة للأوطان, فيسدي لي النصيحة : عد بأقرب فرصة فلا يبقى في هذه البلدان إلا من فقد عقله, أو قادته زوجته رغماً عنه من (زمارة) رقبته, ثم ينظر للمدام فكأنه مبسوط ومسرور على أن يصلها الكلام على الهواء مباشرة وغير محجوب.
ويختم بنصيحة ذهبية .. أن قاعدتي في السياحة أن لا أدقق في الحال على من حولي فوجدت في السياحة كل سرور وكل راحة. ثم ذهب وتركني مهلهلاً مشتتاً فاقد التركيز نادماً على أن قابلتي ولاقاني ولا هو تركني بحالي ولا غداني..