ماذا تفعل الفتاة السعودية في مدينة بون الألمانية ( 8 )

اللقطة السابعة : وجبات دسمة في الطائرة
بسم الله  , ركبنا الطائرة  , اتجهت إلى الكرسي المخصص لصغار الشخصيات في درجة الضيافة  , قَيَدُنا بالحزام أشد مايكون التقييد  , بعدها حضرت المضيفة ثم قدمت منديل معطر ,  وتعلوها ابتسامة ترى منها ضرس العقل ,فاعتقدت إنها ممكن تقبل رأسي و تقول : مساك الله بالخير ياعم  ,  فعلى تلك الضحكة قلت : جايز تكون من الأقرباء مع فارق الشكل , و اللون , و الطعم , طبعاً لصالحي , كنت أتوقع إن الابتسامة مخصوصة لهذا الرجل الشياكة ,  لكن يبدو إن تلك المضيفة توزع الابتسامات بسب و بدون سبب , و على الي يسوى من ” أمثالي ” والي مايسوى من حولي – واثق – , فالأشياء الجميلة يريدها الناس دائماً حكراً على أنفسهم  , لا أعرف هل هي أنانية  , أم حب التملك ,  أم عشق الأشياء الجميلة  , رائحة المناديل المعطرة تنتشر في فضاء الطائرة  , الجميع يمسح يديه استعداداً للقادم الأحلى , اكتمل العدد  , المضيفة تغلق أبواب الطائرة بأحكام  , من يراها وهي تغلق الباب لا يشك أنها كانت تعمل بالسجن العام , فمنظرها يدل على قسوة و جبروت و خوف بين عينيها , و كأنها تخشى أن يهرب أحد من السجن , بدأت الطائرة تتراجع للخلف و تبتعد عن صالة المطار و لها صرير  , وما ذلك إلا بسبب السيارة الصغيرة التي تقوم بسحبها إلى الخلف ,  و الطائرة بكبريائها ترفض أن يتحكم بها من هو أقل منها , فمثل الطائرة و تلك السيارة مثل التيس عند سحبته مع قرونه تجده يتمنع و يثبت قدميه في الأرض و بدون سبب أعتقد أنه تشبيه تقني بليغ ,  بعد عدة أمتار تخلصت الطائرة من تلك السيارة المزعجة و أخذت بالتقدم بالمدرج  , عند ذلك نبه المنادي داخل الطائرة إلى وجوب الاستماع إلى المضيفة وهي تشرح وسائل السلامة  , المضيفة التي تشرح وسائل السلامة ذات طول فارع , فمن طولها لو أن الطائرة سقطت في المحيط فمن المستحيل أن تغرق تلك المضيفة  , ولولا مخافة الشك من الركاب لدققت النظر إلى تلك المضيفة  , هل هي و احده أم اثنتين متكاملتين مع بعضهما ,  الغريب أن أغلب المضيفات في تلك الرحلة من ذوات الطول الفارع , و لهن المقدرة على المرور من بين الركاب و هن على سرعة عالية , تعتقد عند الوهلة الأولى بحصول تصادم بينهن ,  و لكن بأجسامهن الرشيقة يتم المرور سلاسة و بلا ملامسة مثل القطارات السريعة  , و ما هو توقعكم لو أن المضيفات من نسائنا فهل تستطيع الواحدة منهن أن تمر مع الممر , أنا أتوقع تستطيع أن تمر , و أنت ماذا تتوقع ؟! , لا تخاف جاوب  , عيناي ترقبان تلك المضيفات و تتابعان حركتهما السلسة ” عيني عليكن باردة يالمضيفات ”  , و لقد خشيت عليهن ,  و فكرت أن أعطيهن ماء مقري فيه لتستخدمه إن أصابها مكروه . نعود لوسائل السلامة  , للمضيفات مقدرة غريبة على التعبير من خلال و جهها – كسائر الأوربيين – و على وجوب إتباع و سائل السلامة , فعندما ترينا كيف نربط حزام السلامة تجدها تشد على أسنانها كأنها تقول أسمع يابن اللذينا : يجب أن تكون أنت و الكرسي قطعة واحده , نحن نتفاعل معها وهي تزيد بالجرعة , ونتفاعل ,  وتزيد بالجرعة  , أما عند حالات الاضطرار التي من المحتمل أن تمر بها الطائرة فهي تخرج الأكسجين من تحت الكرسي , و تغمض عينيها كأنها في حالت سكرات الموت ( أثناء مشاهدتي لها كانت هناك كلمة قاب قوسين أو أدنى من لساني ,  أحسست أني أريد أن أقول : رجعوني لأمي , غريبة الإنسان مهما كبر فهو عند حالات الخوف يطلب الأم التي هي مصدر الحنان رغم أنه من المفروض أن يطلب الأب لأنه هوا مصدر القوة وليست الأم , أنا سوف أعلم أبنائي أن ينادون أباهم عند الخوف ,  أعتقد حرية شخصية ما أحد يعترض عليها خاصة و نحن في طريقنا لأوربا أرض الحريات ) , نعود للمضيفة  , ثم بعد ذلك تربط نفسها بسترة النجاة و كأنها تقول إذا سقطت الطائرة فأختر لنفسك المكان المناسب ,  إما في المحيطات مواقع الحيتان ,  أو في الصحراء موقع الحيات ,  أو في الأدغال موقع الغابات المظلمة و الحيوانات المفترسة ( أنا أستغرب لماذا سترة النجاة الله لا يقدر شر ,  إذا و قع الفأس بالرأس لا ينفع لا سترة نجاة ولا غيرها ,  تبي تشقلب بالجو الين تطيح على رأسك , تطيح بمحل ديبان ديدان ذيبان , مو مهم , الشر برى و بعيد عنا و عن السامعين و القارئين ) ومن المصائب التي تروع الإنسان عندما تبدأ المضيفة بالشرح ,  أشكال المضيفات فتجد الواحده منهن قد تلونت بخلطة من الألوان ” دهانات دايروب ” على وجهها تزيد من رعبك و خوفك من المجهول ,  فما فوق العيون أزرق قاتم ,  وما على الخدود وردي فاقع ,  و ما على الشفاه أحمر شافع (الشافع درجة أعلى من الفاقع و تحت الباقع , معلومة ذكرها لي دهان بويات ) و طول فارع ,  و شعر ذهبي و رموش منصله , لا تملك مع هذه المواصفات إلا أن تطلب من الله الستر و السلامة , و آه لو فيه خطوط جوية شعبية تكون المضيفات من حريم المسلمات بنات الجواد ,  تكن متغطيات و لابسات عبايات و محنيات أيديهن , و تقدم لك دله قهوة و إبريق شاهي و تميرات ,  و إذا صار مطب هوائي قالن : تجودوا ياعيال الجواد و ويقولن بسم الله عليكم و الله يحرسكم ,  مو هالحمص اللمص هالطوال المهبل ) بعدما انتهت المضيفة من ترويع الركاب بوسائل السلامة ,  بدأت الطائرة تزحف على المدرج ,  و تمر من بين فوانيس الإضاءة بهدوء ,  كأنها عروس تزف إلى عريسها وسط ترقب الجميع  , الجميع يقرأ الجرائد  , و الجميع لا يفقه مايقرأ  , فأنت الآن من أهل الأرض و بعد لحظات سوف تكون من أهل الفضاء  , بدء وجه الطائرة القبيح يبدوا للركاب ,  فما أن تحرك المحرك و رفعت أطراف أجنحة الطائرة حتى تسارعت في المدرج ,  كأنها تريد أن تلتهم الأرض ( طيب ت
رفق ياكابتن لو يبنشر الكفر أو يخطم عليك أحد  , أعوذ بالله من الشيطان الرجيم  , وسوسه داخلية  , لكن محتملة ) أو تريد أن تقتلع نفسها من المطار لتحلق مع الطيور في السماء  , ارتفعنا قليلاً  , و بعد أقل من لحظات صرنا نحن في السماء  , الآن لا ينفع الندم  , الآن بدء الحنين إلى الوطن  , بالأمس كنا نتأفف من شمسك المحرقة و اليوم تتحول إلى الشمس الدافئة  , بالأمس نشكو أرضك المجدبة و اليوم تنتغزل بأرض المعشبة  , بالأمس نتمنى تلك اللحظات و اليوم نتأفف من هذه اللحظات , آه أين تلك الرغبة الجامحة بالسفر لماذا تبدلت في لحظات  , أين ماتكبدته في سبيل السفر لماذا تحول في لحظات ,  أين ذلك الاشتياق إلى الترحال لماذا تغير في لحظات , حلقت الطائرة في عنان السماء  , و بدت عاصمتي – الرياض – تصغر على الأرض و تكبر في نفسي حتى أنها تكاد تمزق أضلعي , إني أحبك من أعماق قلبي يا رياض القلب  , إني أغبط ما أراه من أصحاب السيارات الصغيرة الذين يسيرون في شوارع العاصمة كالنمل يدبون على الأرض ,  أريد أن أصرخ إليهم تمتعوا في بلدكم فكم من محروم في أعالي السماء يتمنى موقعكم  , و لكن أحلامي لن أصل إليها ,  ولن يصل إليهم ندائي ,خلال هذا الوقت كابتن الطائرة لا يرحم فيزيد من سرعته كأنه يريد أن نغادر أرضنا بلا تأمل  , كأنه يخاف أن نرجع في كلامنا و نطلب العودة إلى أرض الوطن , حسبي الله عليك ,  وداعاً أيتها الأرض الندية  , وداعاً أيتها الرمال الذهبية ,  وداعاً أيتها الأشجار الباسقة ,  وداعاً يا سماؤنا الصافية  , في مثل هذه اللحظات أحسد الأطفال  , الذين يعبرون بما يشعرون به بالبكاء بلا خجل أو وجل  , ليتني أبكي دموعاً و لا أبكي حسرة وحرقة و ألم  ,فأعذروني على أشجاني و همومي التي أزعجتكم بها ,  و كل مرة أمر بهذا الموقف أحرم السفر للخارج و أعود إليه مرة أخرى ,  لكن إنما أخذ اسم الإنسان من النسيان , ابتعدت الطائرة ,  و الشمس كأنها تغازلنا فمرة ترسل أشعتها عبر النافذة اليمنى ,  ومرة تميل علينا من النافذة اليسرى , كأنها تريد أن تتمتع برؤيتي من جميع الجهات , يالها من أشعة دافئة ,  أرادت تلك المضيفة أن تعيد التوازن للركاب فقدمت عصيرات مختارة مع قطع البسكويت ,  و إن كانت حلوة المذاق فمرارة الفراق لم تزل تجوب في صدري  , أثناء ذلك فكرت بالخطوط الشعبية لعلي أن أسلي نفسي  , و فكرت لو أن هناك خطوط شعبية , لكان من الممكن أن يقدمون حليب النوق بدل العصير , وبدل البسكويت ًبقلً أقط , أخذ الهدوء مسكنه بين الركاب و بعد فترة زمنية ليست بالقصيرة قدمت وجبات العشاء مع العصير , فكأنهم يأسوا أن ينام أغلب الركاب , وعادت فكرة البديل الشعبي كحل مقترح للوجبات فكانت القائمة يترأسها الجريش و العصيدة و المرقوق و المطازيز كبائل مفضلة للوجبات المسخنة و التي يمضغها الفكان على مضض ,و بعيد فترة طويلة كانت قهوة المساء بانتظارنا, فأخذت أطالع في أحد الكتب المختارة  , حتى تحينت الوقت و فتحت غطاء النافذة فوجدت أن الشمس قد بدأت بالبزوغ بعد ليل دامس نهضت من الكرسي و توضأت لصلاة الفجر ,  ثم اتجهت إلى المضيف فطلبت منه أن يحدد اتجاه القبلة لصلاة الفجر ,  تكرم مشكوراً بفرش الأرض بالغطاء باتجاه القبلة ,  و أديت سنة الفجر و من ثم الصلاة ,فسكنت نفسي و أطمأن بالي , فبإخوتي إن أفضل الأشياء أن تصلي وأنت معلق بين السماء و الأرض ,  تسجد على أرض الطائرة و أنت في السماء ,  تدعوا رب السماء و تناجيه و تطلبه العون و التسهيل منه ,  إنها لحظات إيمانية عجيبة ,  أأنس بها و تألفها نفسي و ينشرح لها صدري وتزيل الكثير من الهم والعناء عن نفسي الضعيفة ,  ومما يحزنني أن الطائرة مليئة بالركاب المسلمين و القليل منهم من يصلي ,  فكم للشيطان من صيدات وكم للإنسان من الحسرات , أخي إن الاعتزاز بالشعائر , و الحفاظ عليها هي من السمات التي يجب أن نحافظ عليها و نتبناها و نعلمها و نتعلمها ,  وأن لا نجامل في أمر ديننا كائن من كان , أذكر عندما كنا في بركسل و حان وقت الصلات طلبت من السائق العربي الوقوف في حديقة القوس لصلاة العصر  , و حاول أن يؤجل بعذر أن في الوقت سعة و أنه يمكن أن نصليها مع المغرب  , فرفضت , و أذن و أقمنا الصلاة أمام الزوار و لم يعترضنا أحد أو ينهانا أي بشر  , وعندها قال السائق إن الإنسان ليشعر بالراحة النفسية عند أداء الصلاة في وقتها و بالاعتزاز بنفسه عندما لا يعلقها بالبشر  , نعود إلى الطائرة  , تتابعت الوجبات الغذائية فحلوى مختارة أو بسكويت ,  وعند ختام الرحلة آيس كريم نهاية الرحلة حتى نبرد على قلوبنا حر تلك اللحظات الحزينة أو القاسية , الآن بدأت الطائرة تخترق ركام السحب  , في منظر يدل على عظمة الخالق  , ومن بين أجزاء السحاب المتناثرة ظهرت بقع خضراء متباينة الألوان , يخترقها أنهار متفرعة تجتمع ثم ما تلبث أن تتفرق كأنها تتسامر أو تتحاور  , وعلى جانب الأنهار قرى يعلوها لون القرميد الأحمر ,  وسفوح الجبال مكتسية بالغابات الكثيفة  , كل هذا الجمال يغازلني و يحاول أن ينسيني جمال بلادي القاحل ,  فتأبى نفسي إلا الحنين لتلك الأراضي الشهباء , و الأودية الجافة , ومناظر أشجار الطلح و السدر ,  وفمنر أشجار بلادي عزيزة على نفسي رغم أن رياح الصيف لم تبقي فيها ورقة واحدة , إنما هي سيقان و فروع و أغصان ,  و يرقد تحت تلك الأشجار أشجار الرمث التي تعشق بلادي كما تعشق الأرض ضوء القمر ,  وكما تعشق الأرض اليابسة قطرات المطر , أخذت صور الطبيعة تكبر في عيني مع اقترب الطائرة من الهبوط في ارض المطار , فالأشجار تبدو في صورتها الطبيعية , و المدرج يكاد يحتضن ا

عن سليمان الصقير

محب للسفر والترحال : مؤلفاتي : 1- 800 خطوة لرحلة سياحية ممتعة 2- 150 طريقة ليصل برك بأمك 3- أمي أنتِ جنتي 4- بنيتي لكِ حبي 5- مذكرات مدمن إنترنت

شاهد أيضاً

700إحداثية لمعالم ومزارات وحدائق وأسواق الدول التالية : تركيا – فرنسا – سويسرا – النمسا – إيطاليا -ألمانيا

بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أيها السادة هذه مجموع الموضوعات التي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.