الحلقة الثانية : باريسيات

باريسيات

في باريس …سكنت في مسكن صغير بسعر 60 يوغو – بنطق أهل ألمانيا – و سافرت بالقطار بسعر 98 يورو , و شربت الشاي بسعر 6 يورو, و رأيت تفاحة بسعر 5 يورو , و علمت أن الكافي بسعر 12 يورو , و طلبت البتزا بسعر لا أعلمه فقد أنسانيه الجوع . عندما تسافر إلى أوربا لا تقارن اليورو بالريال و إلا سوف تموت جوعاً , و تسكن في ظل شجرة , و تتنقل على بغل أعرج .

 

 

في باريس …إياك , ثم إياك , ثم إياك ..أن تسافر إليها بالسيارة, فالمواقف شحيحة , و إن وُجدت فأسعارها غالية , فقد تكون أجاراتك اليومية لموقف السيارة أغلى من السكن , و إن تجاوزت كل تلك المشاكل , فلن تنجو من قيادتهم الفوضوية المتهورة . لذا فقطارات الأنفاق هي الحل الأمثل لباريس . و هي الاختيار المناسب للمدن المكتظة مثل باريس و فينا , فكل طريق من طرقات قطارات الأنفاق يؤدي بك إلى معلم مشهور , أو يوصلك إلى مكان معلوم .

 

 

 في باريس …لا تستغرب إن رأيت الوجوه التي تراها على الشاشة ماثلة أمامك بشحمها و لحمها – خلك ثقل – ففي الشانزليزيه , شيوخ الخليج , و نجوم السينما , و كبار الأدباء , و مشاهير الكورة . لا تطاردهم بنظراتك , فتتعب عيونك من ذلك . فلا تستغرب إن رأيت رجلاً يمشي لوحده ,أو مع حاشيته , أو بجواره زوجته على أرصفة الشانزليزية , ثم يأخذك التفكير و تقول بنفسك… لقد رأيت هذا الرجل منذ قليل.. و لكن أين ؟!  نعم لقد رأيته على غلاف أحد المجلات , أو في أحد المباريات , أو ضمن أخبار القنوات . اعلم ذلك , و لا ترتبك إن جاوروك بالمقاهي الراقية , أو صعدت و إياهم في المصاعد المؤدية إلى الغرف في الفنادق الفخمة . 

 في باريس …تجد أن بيوت الأزياء تتنقل من دور العرض إلى الشوارع , فالملابس الغريبة الفضفاضة , و الجاكتات الأنيقة المفصلة بدقة و أناقة , و اللمسات الرائعة الناعمة , و غيرها من الملابس التي تجعلك تنظر و تتعجب بشدة , هل هؤلاء حقاً يلبسون بقناعة …أما أن شد الانتباه هو المقصد الأول . لا تفكر !! فإن أخذك التفكير بمثل هذه الأشياء . فسوف ينقضي الوقت عليك , و أنت لم تشاهد أهم معالم باريس , البرج أو قوس النصر . – بمعنى صحيح لا تدقق – . أكمل القراءة »

الحلقة الخامسة : صباح الخير يا زيلامسي

في البداية

أن تكتب للأحباب فإن السعادة تملئ جنبات القلب , لكن أن تكتب لهم و أنت معلق بين السماء و الأرض فتلك سعادة من نوع جديد….

أخوتي أكتب لكم هذه الحلقة و أن في الفضاء….و أحس أن قلبي يتجه في الاتجاه الصحيح نحو دياركم فماذا تتوقعون من قلب يقترب منكم….النبض يتزايد….المشاعر تتزاحم…الحروف تتسابق….  

عندما حلقت الطائرة مقلعة من مطار فرانكفورت و متجهة إلى الرياض….رياض الحب… رياض القلب ….رياض السمع و البصر….فتحت نافذة جهازي لأخط لكم تكملة موضوعي….كنت أكتب و الأرض من تحتي تملؤها الغابات… و البحيرات منتثرة كبقع زرقاء تزين رقعة الأرض الخضراء…و الأنهار متشعبة تلتقي ثم ما تلبث أن تتفرق….وكأنك تتأمل لوحة رائعة عن الطبيعة….
كنت أكتب و من حولي ركاب الطائرة…و على وجوههم الابتسامات و فرحة العودة إلى ديارهم … 

كنت أكتب و نبض قلبي يسابق وقع أصابعي ..فهما في سباق ..أيهما يكتب لكم أجمل العبارات.
كانت الطائرة كبيرة…فلا تكاد تطالع من هم في المقدمة منها …و في ركن هادئ منها يجلس شاب تتقافز أصابعه بين الحروف…و مَن حوله يتساؤلون : ما الذي يشغل باله و عقله و تفكيره ؟! ….هل هو من رجال الأعمال ؟….و وقته لا يسمح له أن يتوقف عن إدارة أعمالة حتى في وقت طيرانه .
أو أنه من العلماء؟ … فوقتهم محدود , و استغلالها مطلوب فكانت فرصته أن يغتنم ذلك الفراغ .
و لا يعلمون أنني عاشق…. أحب أن أكتب لأحبابي في كل مكان… و في كل زمان ….فكما كتبت لهم عند مصاب الأنهار… و تحت ظل الأشجار ….و على نور القمر… و تحت أشعة الشمس…بين نغمة مجراها…و حفيف أوراقها..و سطعة نورها..
فاليوم أحب أن أكتبها بشكل جديد… أحب أن أكتبها و أنا بين الغيوم… فكأني على بساط الريح قد سافرت لبلاد بعيدة , الأقدم لأحبابي و أصحابي هدية غريبة , أو أحدثهم عن قصة عجيبة , أو أنقل إليهم أخباراً جديدة …

فما ظنكم من كان يخترق الغيوم هل تطاوعه الكلمات أو تسترسل معه العبارات….كتبت ما كتبت و لكم أن تتحملوها بشكلها الجديد فإن وجدتموها بيضاء , فهي من نقاء السحب , و إن وجدتموها نقية رطبه فهي بعض رذاذ المطر , و إن وجدتموها مشعة فهي دفء الشمس و نوره …هي كلمات قادمة لكم من الفضاء…و كلمات الفضاء دائماً ما تكون مختلفة….فالمكان يختلف و لكن القلب هو القلب الذي يحبكم….فمرحباً بكم أخوتي ..

 

أكمل القراءة »

الحلقة الأولى : باريسيات

باريسيات

في الطريق إلى باريس …عبرنا الحدود الألمانية البلجيكية , فتغيرت المباني ,و أصبحت رديئة المظهر , و بان عليها عامل السن و عدم الأهتمام , أما الطبيعة الساحرة في الجبال بين الدولتين فبدأ يخبو سحرها , و ينطفئ لهيب جمالها .و بدأ القطار الذي يلتوي من فوق الجبال بالسير بخط مستقيم لا يكاد أن ينحرف أبداً .

في الطريق إلى باريس …عبرنا أنهار , و تجاوزنا جبال , ومررنا بغابات , و ودعنا على الحدود بيت نصفه تابع لدولة ألمانيا و النصف الآخر تابع لدولة البلجيك , كدليل واقعي على أن الإتحاد الأوربي قادم بقوة .

في الطريق إلى باريس…كان الناقل هو قطار سريع من فئة IC والذي عرف بسرعته و سكينته. وهي المرة الأولى التي أسافر بين دول أوربا بدون سيارة أقودها بنفسي .

في الطريق إلى باريس …كان لزاماً علينا أن نحول في بروكسل , عاصمة بلجيكا , و التي زرتها من قبل , فألقيت عليها تحية المعرفة , و الشوق .و طافت بذهني بعض الذكريات .

في الطريق إلى باريس …كان القطار الذي ركبناه بعد بروكسل أقل من أخيه الذي سبقه , و أبطء منه بمراحل ملحوظة , وليس ذلك مستغرب فالألمان هم قادة صناعة و صنع القطارات في القارة الأوربية .

في الطريق إلى باريس..ركب أمامي شاب و شابه من بلجيكا ,و يبدو أنهما سعيدان بالرحلة , وكان حديثهم أنغام رائعة , لم تسمع أذني في الحياة كلها مثل تلك النغمات الفريدة , و كان يجريان مكالمات عدة لحجز فندق في باريس , فتقابل كل طلباتهم بالأسف و الاعتذار من أصحاب الفنادق ,و ذلك لأن الوقت متأخر , و باريس مزدحمة بالأفواج السياحية . فكانت الفتاة تتنهد بعمق ثم ترمي برأسها على عشيقها , فيستمد قوته من حسرتها , فيبدأ المحاولة مرة أخرى . و أنا أنظر إليهم من خلف كتابي الذي أقلب صفحاته بتناغم بين فصول القصة التي أتتبعها , و حديث العاشقين الذي أسمعه , و انسيابية القطار الذي أركبه . فلما حصلا على حجز من أحد الفنادق كادا يطيران من الفرح , وكدت أن أطير معهم , لولا أن خشيت أن يقولا باللغة البلجيكية ” وش دخلك ” . أكمل القراءة »

الحلقة الثالثة :رائعة القصيم..مدينة تتراقص على أنغام النوافير

البدائع على خطى طوكيو تسير في أواخر عام 2006م أطفأت آخر إشارة ضوئية في البدائع ,و أستبدلت بميادين جميلة .

فقد عملت بلدية المحافظة من أجل إطفاء آخر إشارة في البلد , و ذلك بعدما رأت كثرت الحوادث الناتجة من تلك الإشارات …

و بعد أن تمعنت بوجود تقاطعات جميلة من الممكن أن تضيف لمسة ناعمة على تلك البلدة الرائعة , ساعد في ذلك كثرة المياه الجوفية و التي من الممكن أن ترسم لوحة جمالية من الأعشاب طبيعية …

هذه المقومات كانت هي البداية التي جعلت البلدية تقيم الكثير من الميادين و التي تجاوزت 45 ميدان , و كل ميدان تتراقص في وسطه النوافير المتناغمة , أو فُرشت أرضيته بالأعشاب الخضرة , أو أحاطت به  الورود الرائعة , أو رُسمت وسطه الأعمال الفنية الجميلة . أكمل القراءة »

يوميات مسافر – 3 –

 الحلقة الثالثة :رحلتي إلى بلاد السند و الهند

ثم سألت الأخ الذي أستقبلني هل أنت مرسل من صاحب المكتب الذي أتعامل معه في اختبار العمالة , فأجاب: لا لست مرسل من قبل صاحب المكتب , فأجابته كانت بسرعة و هو مشغول بقيادة سيارته , و ينظر إلى الطريق فكأنه يريد أن ينهي المهمة بأقصى سرعة , و تم كل ذلك بدون أن يهتم للسؤال , أو يحسب أثر تلك الإجابة عليّ…فتفاجأت , و هالني الجواب ..و أحسست أنني أستعجلت بالركوب مع شخص لا أعرفه , أو أطلب بطاقته , أو على أقل تقدير أن لا أكون بهذا القدر من الطيبة و الثقة العمياء…في جزء من الثانية ,  دار في ذهني ألف طريقة من طرق أحتيال النصابين على السياح القادمين إلى مناطق العالم الثالث , و خطرت في ذهني ألوف الحلول لمعالجة هذا الموقف , و لكن للأسف كل الحلول هي بعداد مغامرة قد أخسر فيها حياتي , أو على أقل تقدير ليست محمودة العواقب بدرجة عالية , و لا أعلم كيف تغير بذهني ذلك الوجه البشوش الذي أستقبلني و أحسست بلحظة لقائه بالأمن في بلد لا أعرف فيها نفس واحدة , إلى شخص يتقمص دور اللص الذي يريد أن يوقع فريسته . طرأ في ذهني جواب واحد لكل التساؤلات , و هو أن هذا الرجل قد علم بطريقة ما أن هناك مسافر قادم إلى هذه الأرض للتجارة , و من المؤكد أنه يعتبر فريسة سائغة , و فرصة ذهبية سانحة , فأراد أن يصل إلي قبل أن يصل السائق المرسل من قبل المكتب . و بثقتي , و بقلة حيلتي , و بعدم معرفتي , و بقليل خبرتي في أمور السفر و السياحة , سقطت في أول حفر النصب ,و أول اختبارات الحياة ,  فدخلت القفص برجلي , و أحكمت إغلاق زنزانتي على نفسي بنفسي …نظرت إليه بخوف , و نظر إلي ببرود , توارت عيني عنه خوفاً . ظهر لي شريط الحياة و هو يلف بسرعة و بلقطات مبعثرة , و كأن فلم الحياة لم يُعد بشكل سليم , او قد ركب خطأ فألتف على محركه . فبدأ يبث صور لا تمثل الحياة بحقيقتها …كل شيء ظهر مشوشاً …إلا وجه أمي و أبي …و زوجتي و أطفالي ….و أخوتي و أخواتي …فقد ظهروا بنورهم المعتاد , و لكن يغشى النور خوف و خشية …و أيضاً هناك وجه آخر يظهر و قد قطب بجبينه..فيظهر مرة و يختفي مرة و تبدو عليه علامات اللوم و الحسرة …إنه وجه الرجل الذي حذرني من قبل بأن لا أثق بأي أحد في سفرتي …و كأنه يقول : لقد رسبت في أول اختبار ….و للحديث بقية
نسيم نجد

 www.naseemnajd.com

الحلقة الرابعة : زيلامسي المفقودة

زيلامسي المفقودة

من أسوء الأشياء أن تفقد شيئاً مهماً في وقت أنت بأمس الحاجة إليه…فكيف تكون المشاعر عندما تفقد الطريق الصحيح في السفر…و زيادة على ذلك ليس أي سفر ,بل في أرض غربة و مكان من العالم مجهول و بقعة بعيدة جديد عليك….فهناك يكون قد استُبدل الأمن خوفاً…و تحولت الألوان الزاهية إلى سواد حالك , و بلغ منتهاه من الظلام حتى يخيل إليك أنه لا شيء في الكون إلا اللون الأسود…و هناك تغيب عن العين جميع المناظرالرائعة و تغدو إلى مناظر فضيعة , تهابها النفس و يقشعر منها البدن….وهناك يتحول الجمال إلى أحمال على القلب….و تكون النفس غير النفس…
نظرت من حولي نظرة تأمل يشوبها شيئاً من الحذر…فأبحث في كل إتجاه لعلي أجد شيئاً يخفف من حزني , أو يرد علي تساؤلي الذي ينطق برغم الصمت الذي حولي … فهل أنا فعلاً فقدت الطريق إلى زيلامسي ؟!….صوت النفيقيشن يحرك اتجاهاته إلى طريق صغير ضيق ….و صدري يضيق مع هذا الاتجاه….نظرت من حولي …رأيت الشمس في كبد السماء….ثم نظرت إلى ظل الأشجار….كان ظل كل شيء مثليه…فحينها علمت أن الشمس إلى غروب…و أن صلاة العصر قد حانت…توقفت على جانب الطريق….و حددت الإتجاه الشرقي الجنوبي…نظرت من حولي… الجبال… الأنهار… الأشجار….السحاب…. كل ما يحيط بي من جمال و أمور عظام…فرفعت يدي إلى أعلى وقلت : ” الله أكبر “…مفتتحاً بها صلاتي العصر…نعم الله أكبر من كل شيء…. الله اكبر نطقتها و أحس بها تتردد بين الجبال ….الله أكبر لفظتها و أحس انها تسعد بها الأشجار….ألله أكبر وقفت تسمعها السحاب … الله أكبر سعدت بها الأجواء و الفضاء و كل تلك الديار…إن من أحب و أسعد اللحظات… هي لحظات صلاتي في أرض لم يُسجد بها لله سجدة…أتممت صلاتي…تحت نظرات السائرين من المسافرين و هم يستغربون …من ذاك الذي يضع رأسه على الأرض…فليتهم يعلمون ما بتلك الصلاة من سعادة….
ركبت سيارتي …بعدما أنهيت صلاتي….جال في نفسي ألف خاطره…. و لاح في ذهني ألف سؤال و سؤال…هل أتابع المسير ؟ … أم أعود إلى أدراجي …..توقفت….و تأملت كيف أن الله و بقدرته و بلحظة قد يقلب السعادة إلى تعاسة….و الأمن إلى خوف…و الأمل إلى حزن… لكن يجب أن لا تقف في طريقي عثرة صغيرة…أو أن أقع في كمين أول خطوة من العثرات المتوقعة ..فكل ذلك متوقع في سبيل من يبتغي المتعة و المغامرة , أو أختار أن يسير في سبيل الرحالة…فكان القرار أن أكمل المسير …
في كل أنحاء العالم يتقلب اليوم بين الليل و النهار ….بين الشمس و القمر….بين النور و الظلام…أما في تلك المناطق…فهناك ليل و نهار…و وقت آخر بينهما….وهو عندما تختفي الشمس خلف الجبال….فينفذ نورها من خلفها …

 

فيكون منظر الأرض مهيب…ليس بالليل دامس و ليس بالنهار ساطع…نور مع ظلام…هدوء يلف المكان….الأشجار ساكنه …تحس أن كل معالم الأرض تنتظر قدوم الليل أو وضوح النهار….
هناك و من بعيد تقبع جبال عالية….من يراها و الشمس من خلفها.. يخيل إليه أن الجبال قادمة إليه….و من فوق الجبال سحب داكنة تنفذ من خلالها أشعة الشمس الحمراء….الطريق ضيق و ملتوي…ويمر كمارد أسود ليوصلك إلى الجبال المخيفة….سمعت عن جبال الألب و ارتفاعها ….عن قممها… عن علوها…. لكن لم يخيل لي يوماً أن أقف تحتها….و أنظر إليها و هي شامخة بإرتفاعها…. بل و أن أتسلقها عبر ممراتها الضيقة ….إنها تجربة جديدة ….و بحالتي من الممكن أن تكون مخيفة … 

 

 بعد لحظات أحسست أنني بين أكوام من الجبال…بل أحسست أنني في كمين منها….من كل اتجاه عن اليمين و الشمال …من الأمام و الخلف…لا أعرف أين أسير ….و لكن أسير…بل إنني أسرع المسير….و لا أدري لماذا أسرع المسير…هل أريد أن أهرب من الخوف إلى الجبال المخيفة….هناك من بعيد نور سيارة قادم….أغبطه فقد خرج للتو من ظلمة الجبال أكمل القراءة »

يوميات مسافر – 2 –

الحلقة الثانية : رحلتي إلى بلاد السند و الهند

بالقرب من خط سير العفش رفعت جسمي على أطراف أصابعي , و زدت على ذلك أن مددت رقبتي , و كل ذلك من أجل أن أنظر إلى عفشي هل وصل ؟! أما لا ؟! و لكن كل محاولاتي باءت بالفشل فأجرامهم أكبر , و أغراضهم أعظم . فلقد كانت أغراضهم التي يستقبلونها تغطي على حقيبتي الصغيرة , و التي من المؤكد أنها ترزح تحت ثقل كرتون من كراتين العاملين بالخليج . كنت أترقب الفرصة بأن أستطيع أن ألمح حقيبتي فأهرب من هذا الجو الخانق , و الذي زادته المراوح الجدارية بما تنفثه من هواء سام , فصار خليطاً من الرطوبة , و الحرارة , و رائحة أخوتنا الباكستانيين المميزة . بالفعل كان حظي سعيداً ذلك اليوم فلم يدم بقائي على خط السير إلا ما يقارب الساعة . سحبت حقيبتي مع عنقها , فكأني ألومها على تأخرها . و خرجت إلى ساحة المطار , فكنت أبحث عن أسمي في اللوحات التي يحملها المستقبلين , نظرت في كل الزوايا و لم أجد أسمي , و لكن سمعت صوتاً من بعيد يناديني , فأقترب الصوت الذي لا يخلو من بعثرة لبعض حروفه , قدِم أخ باكستاني و سلم علي , ثم عرفني بنفسه و سألني هل أنت نسيم ؟ فقلت نعم أنا هو . فرحب و طلب حقيبتي أن يأخذها بيده , فرفضت ذلك و قلت : لن أكلفك بحملها . فأنا من سيحملها . و لكنه لم يدع لي أي فرصة فأخذها و بقوة . حشرت حقيبتي في مؤخرة السيارة , ثم حشرت نفسي بالمقدمة التي تضيق على جسمي من صغرها , جلست على طرف الكرسي , و ألصقت ظهري على مسندته , و ارتفعت ركبتي إلى مستوى رأسي , ثم وضعت ذقني على أحد الصابونتين من الركبتين , و لففت يدي على الساقين كأفضل مكان أجده لهما . فصرت و كأني طفل في رحم أمه . ثم سألت الأخ الذي أستقبلني هل أنت مرسل من صاحب المكتب الذي أتعامل معه في اختبار العمالة , فقال : لا .فتفاجأت , و هالني الجواب : و أحسست أنني أستعجلت بالركوب معه…نظرت إليه ثم نظر إلي …و للحديث بقية
نسيم نجد
www.naseemnajd.com

 

 

الحلقة الثانية : رائعة القصيم..مدينة تتراقص على أنغام النوافير

البدائع بلد الروائع :

هذه الكلمات ترددها أفواه الشباب من أهل البلد من بعد أن رأت عيونهم  روائع مدينتهم , هذه الكلمات هي لحن نشيدهم الذي يعشقون بعد أن أصبحوا على ترانيم هذه التحفة الفنية . إنه حلم و مع الأيام أصبح حقيقة تلامس الواقع , و واقع جميل يشهده الجميع , و جهد ملحوظ يشكره من لامسه , و عاشه , أو مر بطيفه و صافحه , و أمل يستمتع به كل من يعيش لحظاته أو ينتظر غده بمفاجأته .

فالبدائع هي بحق بلدٌ تجمع كل رائعة , و تحتوي كل عمل بديع . و هي ثمرة من ثمار الغرس المبارك بفضلٍ من الله ثم من أبناء البلد الذين لم يألوا جهداً في الرقي ببلدتهم , و النهوض بمحافظتهم , حتى لامست أرقى المدن الحضارية , بل و تعدتها لمصاف المدن ذات الطابع الخاص .

و لقد كان للأرض الطيبة في تلك البلد أثر في عمارتها و نموها , فخصوبة أراضيها , و وفرة المياه الجوفية و قربها . جعل الناس تفد إليها و تستوطن فيها . أكمل القراءة »

كيف تصل إلى قلب موظفك

كيف تصل إلى قلب موظفك
مقدمة :

اتصلت على صديق عزيز , لأجدد عهداً من الحب , و لأحصل على وعد منه تأجل أكثر من مرة , و ذلك من أجل أن أنهل من سعة علمه و جميل صفاته . لكن كعادته طلب التأجيل , و كعادتي خرجت خاسراً من مفاوضاتي معه بخسائر عديدة , و أعظمها أنني لم استطع أن أحصل على وعد منه حتى بعد أشهر , و ما ذلك إلا بسبب أشغاله العديدة , و مشاغله التي لا تتوقف أبداً , فهو اليوم في بلد و غداً في بلد آخر , و جدول أعماله مشغول حتى أشهر قادمة بالدقيقة و الثانية – أعانه الله – . و لكن رغم ذلك فإن هناك شيئاً يعزيني , و يجعلني أفتخر بتلك المكالمة , لقد خرجت من ذلك اللقاء الصوتي بفائدة تغطي جميع خسائر المفاوضات التي أجريتها معه . لقد قال لي  أثناء حديثه : أن لديه لقاء في مساء الغد . و هذا اللقاء عبارة عن وليمة عشاء لأفراد مصنعه , و ليس العجب هنا . بل الخبر لازال يسير بخط لا يدعو للتأمل أو التعجب . و لكن الذي أعجبني و جعلني أفكر أكثر من مرة في مثل هذه الأفكار . هو أن قال : إن الحفلة خاصة بأسر الموظفين بالمصنع . فسوف يجمعهم في باحة مصنعة , و ليجتمعوا في مكان و مقر عمل أرباب أسرهم . إن مثل هذه الأفكار تشدني كثيراً , و تجعلني أتلمس فيها أشياء جميلة ظاهرة , و أشياء خفية أكثر جمالاً . فهي تعني فكراً ثاقباً , و بناءً يُرسخ المحبة بين أفراد المنشأة , و تواصل بين الرئيس و المرؤوسين . لقد استطاعت اليابان أن توثق علاقة العامل بالمنشأة . فصارت المنشأة هي عائلته الجديدة , و ارتباطه الذي ينتمي إليه و بقوة . و لكن تجربة اليابان وصلت لمرحلة خطيرة و هي مرحلة الإدمان , و رباط عالي لدرجة أنها وصلت تلك الرابطة إلى درجة القداسة . فاليوم أعرض عليكم نقاط عدة لكيفية توثيق العلاقة بين صاحب المنشأة و الموظفين لديه , فلعلها تفيد من يمر عليها   : أكمل القراءة »

يوميات مسافر ( 1 )

يوميات مسافر
الحلقة الأولى : رحلتي إلى بلاد السند و الهند

كل الذي أذكره خليط متنوع من أصوات أنثوية ناعمة تصدح عبر سماعات المطار الداخلية بعضها يعلن هبوط طائرة و البعض الآخر يعلن إقلاعها . كل الذي أذكره أقدام مسافرين و عرباتهم تمر من أمام عيني بعضهم يتململ الخطوات و بعضهم يريد أن يلحق بالطائرة قبل الفوات . كل الذي أذكره بعدما ركبت الطائرة فتاة عربية في الكرسي الذي خلفي تتكلم بلغة فرنسية ثم تقهقه بصوت عالي . كل الذي أذكره همسات المضيف لتلك الفتاة و يخبرها بأنه في خدمتها تحت السماء و فوق الأرض , كل الذي أذكره أنه كانت بين يدي رواية و مرت المضيفة و أبدت إعجابها بتلك الرواية . و من بعدها نسيت كل شيء و رسخ في ذهني شيئاً واحداً , أن تلك الخطوط هي مجمع من المضيفين و المضيفات من المشاكسين و المشاكسات , فهم برتبة ” مغازلجية ” في فضاء الحياة و لكن يلبسون أزياء راقية و يمارسونها بمهنية عالية . هذا الذي أذكره في بداية رحلتي إلى إسلام أباد ,ثم نزل ستار النوم على أجفاني , حتى حانت ساعة الصفر , و أقترب الهبوط . فشعرت ببرق يخطف الأبصار يطل مع نافذة الطائرة التي ملأها الظلام عندما اخترقنا السحب في استعداد للهبوط في أرضية المطار . نزلت من الطائرة فوجدت أرضاً مبللة, و سماء تستقبل زائريها بقطرات أخيرة من سحابة صيفية عابرة , و طائرات تتغامز بلمباتها البراقة , فأعتقدت أيضاً أن للطائرات نفس حال الشباب و الشابات من المضيفات . فالطائرات قد تواعدن على أجل معلوم . نزلت إلى مطار إسلام اباد في رحلة جديدة لم أكن متحمساً لها , و لكن كنت متشوقاً أن أنهيها و بسرعة , و أن أنهي مهمتي العملية و بالوقت الذي حددته . دخلت المطار فوجدت جموع من الباكستانيين قد دخلوا الصالة و أخذوا بإستقبال المسافرين من القادمين . و وسط العناق , و القبلات برزت بملابسي المميزة بالرغم أنني قد اخترتها بعناية بأن تكون من الملابس الرديئة و ذلك حتى لا ألفت الانتباه , و قد قمت بتلك الاحتياطات بعد التحذيرات التي تلقيتها من الأخوة الذين كان لهم سابق تجربة إلى تلك الدولة . بالقرب من خط سير العفش رفعت جسمي على أطراف أصابعي , و زدت على ذلك أن مددت رقبتي , و كل ذلك من أجل أن أنظر إلى…للحديث بقية



الحلقة الثانية : رحلتي إلى بلاد السند و الهند
بالقرب من خط سير العفش رفعت جسمي على أطراف أصابعي , و زدت على ذلك أن مددت رقبتي , و كل ذلك من أجل أن أنظر إلى عفشي هل وصل ؟! أما لا ؟! و لكن كل محاولاتي باءت بالفشل فأجرامهم أكبر , و أغراضهم أعظم . فلقد كانت أغراضهم التي يستقبلونها تغطي على حقيبتي الصغيرة , و التي من المؤكد أنها ترزح تحت ثقل كرتون من كراتين العاملين بالخليج . كنت أترقب الفرصة بأن أستطيع أن ألمح حقيبتي فأهرب من هذا الجو الخانق , و الذي زادته المراوح الجدارية بما تنفثه من هواء سام , فصار خليطاً من الرطوبة , و الحرارة , و رائحة أخوتنا الباكستانيين المميزة . بالفعل كان حظي سعيداً ذلك اليوم فلم يدم بقائي على خط السير إلا ما يقارب الساعة . سحبت حقيبتي مع عنقها , فكأني ألومها على تأخرها . و خرجت إلى ساحة المطار , فكنت أبحث عن أسمي في اللوحات التي يحملها المستقبلين , نظرت في كل الزوايا و لم أجد أسمي , و لكن سمعت صوتاً من بعيد يناديني , فأقترب الصوت الذي لا يخلو من بعثرة لبعض حروفه , قدِم أخ باكستاني و سلم علي , ثم عرفني بنفسه و سألني هل أنت نسيم ؟ فقلت نعم أنا هو . فرحب و طلب حقيبتي أن يأخذها بيده , فرفضت ذلك و قلت : لن أكلفك بحملها . فأنا من سيحملها . و لكنه لم يدع لي أي فرصة فأخذها و بقوة . حشرت حقيبتي في مؤخرة السيارة , ثم حشرت نفسي بالمقدمة التي تضيق على جسمي من صغرها , جلست على طرف الكرسي , و ألصقت ظهري على مسندته , و ارتفعت ركبتي إلى مستوى رأسي , ثم وضعت ذقني على أحد الصابونتين من الركبتين , و لففت يدي على الساقين كأفضل مكان أجده لهما . فصرت و كأني طفل في رحم أمه . ثم سألت الأخ الذي أستقبلني هل أنت مرسل من صاحب المكتب الذي أتعامل معه في اختبار العمالة , فقال : لا .فتفاجأت , و هالني الجواب : و أحسست أنني أستعجلت بالركوب معه…نظرت إليه ثم نظر إلي …و للحديث بقية



الحلقة الثالثة :رحلتي إلى بلاد السند و الهند
ثم سألت الأخ الذي أستقبلني هل أنت مرسل من صاحب المكتب الذي أتعامل معه في اختبار العمالة , فأجاب: لا لست مرسل من قبل صاحب المكتب , فأجابته كانت بسرعة و هو مشغول بقيادة سيارته , و ينظر إلى الطريق فكأنه يريد أن ينهي المهمة بأقصى سرعة , و تم كل ذلك بدون أن يهتم للسؤال , أو يحسب أثر تلك الإجابة عليّ…فتفاجأت , و هالني الجواب ..و أحسست أنني أستعجلت بالركوب مع شخص لا أعرفه , أو أطلب بطاقته , أو على أقل تقدير أن لا أكون بهذا القدر من الطيبة و الثقة العمياء…في جزء من الثانية ,  دار في ذهني ألف طريقة من طرق أحتيال النصابين على السياح القادمين إلى مناطق العالم الثالث , و خطرت في ذهني ألوف الحلول لمعالجة هذا الموقف , و لكن للأسف كل الحلول هي بعداد مغامرة قد أخسر فيها حياتي , أو على أقل تقدير ليست محمودة العواقب بدرجة عالية , و لا أعلم كيف تغير بذهني ذلك الوجه البشوش الذي أستقبلني و أحسست بلحظة لقائه بالأمن في بلد لا أعرف فيها نفس واحدة , إلى شخص يتقمص دور اللص الذي يريد أن يوقع فريسته . طرأ في ذهني جواب واحد لكل التساؤلات , و هو أن هذا الرجل قد علم بطريقة ما أن هناك مسافر قادم إلى هذه الأرض للتجارة , و من المؤكد أنه يعتبر فريسة سائغة , و فرصة ذهبية سانحة , فأراد أن يصل إلي قبل أن يصل السائق المرسل من قبل المكتب . و بثقتي , و بقلة حيلتي , و بعدم معرفتي , و بقليل خبرتي في أمور السفر و السياحة , سقطت في أول حفر النصب ,و أول اختبارات الحياة ,  فدخلت القفص برجلي , و أحكمت إغلاق زنزانتي على نفسي بنفسي …نظرت إليه بخوف , و نظر إلي ببرود , توارت عيني عنه خوفاً . ظهر لي شريط الحياة و هو يلف بسرعة و بلقطات مبعثرة , و كأن فلم الحياة لم يُعد بشكل سليم , او قد ركب خطأ فألتف على محركه . فبدأ يبث صور لا تمثل الحياة بحقيقتها …كل شيء ظهر مشوشاً …إلا وجه أمي و أبي …و زوجتي و أطفالي ….و أخوتي و أخواتي …فقد ظهروا بنورهم المعتاد , و لكن يغشى النور خوف و خشية …و أيضاً هناك وجه آخر يظهر و قد قطب بجبينه..فيظهر مرة و يختفي مرة و تبدو عليه علامات اللوم و الحسرة …إنه وجه الرجل الذي حذرني من قبل بأن لا أثق بأي أحد في سفرتي …و كأنه يقول : لقد رسبت في أول اختبار ….و للحديث بقية



الحلقة الرابعة :رحلتي إلى بلاد السند و الهند
في عيني… أستجمعت كل قواي التي أختزنها في نفسي لمثل هذا اليوم…فبدوت أكثر ثقة , و ظهرت أكثر تماسكاً و جرأة …و نظرت إليه بقوة و بعينين مفترستين , حتى أُضعِف من شأنه و أجمع شتاتي لأكمل عبارة واحدة فأقول له : من تكون أنت ؟! … لكنه لم يدع لي فرصة أن أستعرض عضلات العيون , أو حتى أن أنطق بالمكنون . فعرف حديث عينيّ  , قبل أن ينطلق لساني , فأراد أن يستدرك الموقف , و أن يوقف حرب النظرات , و أن يقطع نظراتي المتسائلة , و أن يفكم طلاسم المفاجأة , و أن يسكن مشاعري الخائفة .. فتحدث بهدوء أقرب إلى الصمت فقال :  بل أنا صاحب المكتب بنفسه !! ..أحسست بسيل من الأمان ينزل إلى قلبي  …ثم تحول الأمان إلى حرج يلفني من أطرافي فكأنها عاصفة هوجاء تريد أن تقتلع قلبي و ذلك لأني شككت فيه و تصورته بصورة سوداء لا تليق بمقامه , و من ثم تحول الحرج إلى ضيقاً يحل في صدري و ذلك لأني تذكرت أيضاً أنه رفض إلا أن يحمل حقيبتي في المطار . كل ذلك تم في لحظة قصيرة لا تقاس بوحدات الزمن , و لكن هي تقاس بمقياس تحول المشاعر , بين الخوف و الأمن .
كان اللقاء الأول , و كان الحديث كمثل أي حديث أول . سؤال هنا و سؤال هناك . و إجابات قد تكون معروفة من قبل أن يصدرها السائل . كنت أعتقد أنني أجيب على أسئلته بشكل مبرمج , و بدون أن تأخذ مني تلك الأسئلة أي جهد أو حماس . و كانت الأمطار تعزف على وتر النعاس . بين المطار و المدينة أختار صاحب المكتب الفندق الذي سوف أسكن فيه ,و لا أعتقد أنه يدخل تحت تقيم النجوم , فحتى النجمة الواحدة نظلمها إن صنفناه من ضمنها . وصلت إلى الفندق و لم أرى أي مظهر من عمران المدينة , أو مشهد يبين أنني على مقربة من إسلام أباد , بل و كأنني سوف أسكن وسط غابة , أو هجرة , أو مكان لا أستطيع تحديده أو يستطيع رجل المهمات الصعبة المري / قوقل بن إيرث تحديد نقاطه أو رسم خريطته . نزلنا إلى الفندق و كنا في ساعة من الليل متأخرة , و كانت الأنوار مطفأة , و ضوء خافت في زاوية بعيدة قد سطع على منصة الأستقبال  …يعلن أن هذا الجزء من العالم فيه حياة . و خلف منصة الأستقبال يوجد موظف تغطي المنصة كل جسمه و لم تبقي إلا رأسه …أحس بوقع أقدام , فنهض متثاقلاً , ثم أبطأ الخطوات فكأنما يريد منا أن نقطع أطول الطريق إليه , فيفوز هو براحة و لو حتى جزء من الثانية , و لما أقبلنا عليه رفع صوته بالأستقبال و الترحاب , لم يستطع الضوء الخافت الذي يبذل جهداً خرافياً ليضيء هذا المكان أن يظهر الكثير من ملامح وجه , و لكن ظهر من خلال عينيه أن النوم كان ساكناً فيهما منذ وقت يسير , و بدا من خلال صوته أنه لم يكن له عهد قريب بالحديث ..بل إن آخر الحروف التي نطق بها هي بعض الشخير . بدأت لغة التخاطب بين صاحبي و صاحب الفندق و بصورة مطولة , و كأنهم أخوة لم يلاقوا بعضهم منذ سنين فائته . ثم قدم لي مفتاح الغرفة , أمسكت هذه المرة حقيبتي بنفسي…و لما ذهبت غير بعيد …أستدرت بجسمي فجأة …فوجدتهم ؟!….و للحديث بقية



الحقلة الخامسة : رحلتي إلى بلاد السند و الهند
أستدرت بجسمي فجأة …فوجدتهم أيضاً قد استداروا معي في نفس اللحظة ,و ذلك بعدما وجدوا أن قرع نعال صاحبهم قد توقفت خطواته فجأه…فكان المنظر كمشهد قد تم التدرب عليه من قبل أكثر من مرة…., لقد تذكرت أنني نسيت أن أسأل صاحبي و صاحب الفندق ..متى يبزغ الفجر ؟ و متى تكون الصلاة ؟ و أين القبلة ؟ و لعلهما صعقا بهذه الأسئلة . فتناظرا و تشاورا ثم أعطاني إجابات تقريبية . بحسبة بسيطة من المعلومات التي جمعتها من أصحابي علمت أننا الآن نقترب من الساعة الخامسة فجراً , فقلت لصاحب المكتب  لقاؤنا غداً سوف يكون الساعة التاسعة صباحاً بإذن الله . فتفاجأ صاحب المكتب و قال : لعل غداً يكون راحة لك بعد سفرك . قلت له لعل لي برنامجاً يجب أن أسير عليه حتى أتتمه قبل وقت مغادرتي . صعدت إلى غرفتي , ففتحت النافذة كأول عمل أقوم به بعد أن أستقر بغرفة جديدة , فلم أرى سو ظلام دامس , و نجوم تسرق النظر من بين السحب , و شعاعُ قمرٍ يجاهد من أجل أن يثبت أنه سيد الليل , فلما علمت أن الليل و السحب الكثيفة أكثر قدرة على فرض سوادهما أغلقت النافذة , و أخذت أنبش أغراضي , و ابحث عن ملابسي و ذلك لأسعد بحمام بارد يطرد النوم , و يصبرني حتى صلاة الفجر . بعدما خرجت أحسست بنشاط , و رأيت النور قد بدأ يزور المكان , فتأكدت أن الفجر قد حان , صليت الفجر , ثم وضعت رأسي على المرتبه بعد أن كسوتها بغطاء جلبته لمثل هذه الظروف القاسية . وضعت رأسي على الوسادة فأحسست أن كل روائح الدنيا العجيبة قد تغلغلت في أنفي , و لأول مرة أعرف معنى كلمة ” تغلغلت ” فحقاً لقد عَبَرت عبر أنفي و أستقرت في كل الحويصلات الهوائية في صدري , متمسكة بالشعب رافضة الخروج مع كل حالة شهيق و زفير . حاولت النوم و لم استطع بالرغم أنني لم أنم منذ وقت بعيد , حاولت مرة تلو أخرى حتى سطعت الشمس على جدران الغرفة . فقلت لنفسي لعلي أذهب و أنظر إلى النافذة و أشبع فضول نظري , و أكتشف المنطقة المجاورة قبل أن أنام . في السماء أشعة الشمس تشرق على إستحياء و تلقي تحية الصباح على أهل الأرض من بين السحب المتقطعة . نظرت من حولي فلم أجد إلا آثاراً من حديقة لم تشذب أطراف أشجارها منذ مدة , و رمية في وسطها بقايا لعبة , و آثار لممرات كانت توصل إلى أطراف الحديقة . ونافورة لم يتبقى منها إلى حوضها و غصت بالماء من آثار الأجواء الممطرة . أحسست بضيق أكثر , و نفسيتي تتغير . ذهبت للفراش , و علمت أن تغلغل الروائح خيرٌ من بقائي على تلك النافذة . بلحظة رضا بالمقدر و المكتوب , وجدت نفسي ببحر النوم , و لم أعي إلا على صوت رنين المنبه . فلأول مرة أفرح بأنني أستيقظ و أنا لم آخذ قدري من النوم بالكامل….



الحلقة السادسة : رحلتي إلى بلاد السند و الهند
استيقظت و بحثت عن شيء جديد , أو منظر يدل على أنني في سفر , فتحت عيني على جدران الغرفة و بانت لي عيوبٌ أكثر . بحثت عن هواء نقي , فلم تفلح كل محاولاتي . بحثت عن منظر يسر فيعود بصري خائباً و هو حسير. فقررت القرار الذي لا مفر منه . لملمت أغراضي فوضعتها كيفما اتفق في حقيبتي , ثم وضعتها في زاوية من الغرفة حتى أكون مستعداً للخروج من الفندق بعد العودة من العمل , انسحبت من الغرفة و من خلفي ستارة النافذة ترفرف فكأنها تدعوني لأنظر إلى المطل بوضح النهار فلعل الأمر يكون قد تغيير , لم آبه بتلك الدعوة…خرجت و بدون أن ألتفت لرفرفة الستارة , لقد اتضحت لي الرؤيا مع الصباح , و بانت الزوايا في الفندق , و برغم أن أشعة الشمس تسللت إلى كل زاوية , و لكن بقي الكثير منها كئيبة و كأنها لم تتخلص من لباس الليل الكئيب.. و رائحة أنفاس الناس الذين عاشوا في هذا المسكن . حتى أشعة الشمس التي كنت أنتظر منها أن تتسلل إلى بصري لتنير جوانبه كانت قاتمة …فكأنها تسللت إلى المسكن مكرهة . نزلت عبر المصعد و أزيز حباله يئن من أثر السنين . صمت رهيب يجعل ضربات قلبك هي الصوت الأعلى في هذا المكان . فتح المصعد أبوابه معلناً وصولي إلى صالة الأستقبال , وجدت صاحب المكتب في انتظاري كما تواعدنا من قبل , نظر إلى ساعته و قال : لقد أتيت بالوقت المحدد و بالضبط . ثم أتبع ذلك بابتسامة , و رحب بي فكأنه يراني أول مرة . فلعل نور النهار جعله يكتشف صاحبه من جديد . كانت خطواتي تتجه إلى البوابة الخارجية , و لكنه استوقفني وقال : إن الفطور من ضمن الإيجار , و لعلنا نتناول الإفطار ثم نباشر العمل , كنت على يقين أن الإفطار لن يقل عن حال الفندق . لذا قلت له : أنني يهمني العمل قبل كل شيء و الإفطار قد نتناوله في أي وقت , و لكنه قال : أنني طلبت الإفطار قبل نزولك..فيحسن بنا أن نتناوله . أتى الإفطار ..فكان عبارة عن سندوتش بيض , مع كوب شاي . فقال صاحبي : أبدأ الإفطار فأمامك اليوم عمل شاق . تحت إصراره و إصرار عصافير بطني , و عزمي أن تكون هذه الوجبة هي الوحيدة من وجبات يومي . تناولت تلك السندوتش على مضض – و نحمد الله على نعمه – . و ذلك ليقيني رغم عدم مشاهدتي أن مافي المطبخ من النظافة أسوء من سوء نظافة الغرف . ترتفع الحموضة عندي بتوفر ثلاث ظروف , السهر , و الروائح الكريهة , و الطبخ المغرق بالزيوت . فكانت الحموضة في ذلك اليوم حاضرة و بالدرجة الكاملة . لم يدم الإفطار أكثر من خمس دقائق ,نفضت يدي و استعجلت صاحبي , فقال : لعلك تشرب كأساً آخر من الشاي . فقلت له : العمل أولاً . فعرف و فهم أن شعاري ” لا تنازل هذه المرة ” .
خارج الفندق النسمات رقيقة , و الجو عليل . و رطوبتها تنزل في الرئة فتنقيها من كل شائبة ..فتزيد من همتي لإنهاء أعمال أكثر من المقررة في ذلك اليوم . الطريق من الفندق إلى وسط إسلام أباد أستغرق ما يقرب النصف ساعة . بدأ حديثه معي في الطريق بسؤال منه عن ليلة البارحة , و هل نمت بقدر كافي , فكان الجواب الذي انهمرت حروفه.. فكأني أنتظر مثل هذا السؤال فهي فرصة سانحة , أن أشكي له حالي و همي . و عدم وصول النوم إلى أطراف عيني . ثم لم أدع له مجال لأن يمسح دمعة الحزن التي أبديتها من خلال شكايتي بمواساتي بكلمات . فقلت له : و مباشرة أريدك أن تكلم الفندق بأنني سوف أخلي الفندق هذا اليوم . و أتمنى أن تبحث لي عن فندق من فنادق الدرجة الأولى . و لكن يظهر أن طلبي لم يروق له بالشكل الكافي . فقال : نتكلم بهذا الموضوع عندما ننهي أعمالنا في وقت لاحق . قلت أخشى أن نأتي في المساء فيكون اليوم محسوب. فقال لا إشكال إنني أعرفهم. أقنعت بقوله . ثم غيرت مجرى الحديث إلى خطتي لأعمال ذلك اليوم , و التي أمليتها له من قبل أن آتي إلى باكستان .و صلنا طرف البلد . ثم دخلنا في حواري صغيرة , فكأنما صممت تلك السيارة من أجلها , فتكاد أن تلامس المرآتين أطراف جدران ذلك الطريق . و عندما يزداد الطريق ضيقاً يلتصق المارة بالجدران , أو يبحثون عن فتحات الأبواب . من أجل أن يمر أحدهما . كانت البنايات على الأطراف عبارة عن بلك بدون تسليح . أو طينية قديمة . وقفنا بجانب عمارة ذات طوابق متعددة تعتبر أفضل العمائر في ذلك الحي . فصعدنا إلى الدور الثاني حيث يكون مكتب صاحبنا . في مكتب صغير مقسم إلى مكتبين فقط . يفضي الثاني إلى الأول . جلست على كنب يشتكي من ظلم الذين مروا عليه . فقد أوهنوا عظامه بثقل أجسامهم . و مارسوا هواياتهم بالنقش على أطرافه , أو الكتابة على جلده . جلس صاحبي أمامي فقال : ماذا تريد أن تشرب ؟ كان جواي الذي أعددته من قبل ..شكراً . لا أحبذ الإكثار من المشروبات . و لكنه لم يمهلني لأعلل أو أعتذر . فقط ضغط على جرس الخادم الذي يعمل لديه بالمكتب . فسمعت الباب يفتح . و كعادة الغريب يُلفت انتباهه أي حركة من حوله . انتقلت إلى لأنظر إلى مصدر الصوت  . فوجدت صبياً في العاشرة من عمره . عليه ثيابٌ متسخة , و شعرٌ أشعث و من أحد جوانبه قد أكله مرض الثعلبة – فالحمد لله الذي عافانا مما أبتلاه به – فأقشعر جلدي من منظره , و رق قلبي لحاله , و تحجرت دمعة في عيني من سوء وضعه . ابتعدت كثيراً بتفكيري و تأملت كثيراً حال هذا الصبي . تقدم الصبي بخطوات بطيئة مليئة بالفزع و الخوف . ثم تابع حديثه مع صاحب المكتب بلغة و بلهجة لا أعرفها. فأطرق صامتاً صاحب المكتب ثم قال : إن الصبي يسألك ماذا تشرب ؟ …و للحديث بإذن الله بقية



الحلقة السابعة : رحلتي لبلاد السند و الهند
لقد شربت من كأس النصب و التعب في ذاك اليوم حتى ارتويت , فكنت قد أنهيت اختبارات العمالة قبيل المغرب , و واعدت العمال الذي استطاعوا تجاوز الاختبار أن يأتوا للفندق من أجل أن أوقع معهم عقود العمل . وصلت مع صاحب المكتب للفندق , ثم بعد فترة أتى العمال , و كان الخطأ الذي ارتكبته و ينم عن عدم الخبرة , أن استدعيتهم إلى الفندق , و لم أكتفي بذلك بل أخطأت خطأ أعظم , و ذلك بأن استقبلتهم في نفس غرفتي , فلم أكتفي أن يكون الاستقبال في باحة الفندق بل زدت من الكرم العربي و اتفقت أن يكون اللقاء في عقر داري . سمعت طرقت على الباب فإذا بالعمالة قد حضروا . ملابسهم بسيطة , و عليها أثر العمل الذي نفذوه في الاختبار . و عليهم من نظرات الفرح التي تظهرها عيونهم قبل أن تبديها وجوههم  . كان أحدهم عريض المنكبين , اسمر البشرة , و على خده تتوزع شعيرات بيضاء هي بقايا من شعيرات تركت عنوة . كان شكله بجسمه الضخم مهيباً . وكنت أعتقد بل أجزم أن يده لو هوت على جسمي لأصابتني بأضرار جسيمة . على النقيض من ذلك كان هناك عامل آخر نحيف جداً , حتى أن خديه غائرين بين عظمتي الفك , و قد كتف يديه على صدره , و أنزل رأسه في الأرض حياءً .فكنت أشفق عليه و ارحمه من رعشة الهيبة التي عجز أن يخفيها عن نفسه , إلا أنه يحاول عبثاً أن يتماسك و ذلك بوضع يديه المكتفتين إلى صدره .فكنت أعتقد أنه سوف يهب لنصرتي و الدفاع عني لو كان العامل المهيب أراد أن يختبر قدرته على اللكمات الخطافية في أطراف وجهي …ظلوا وقفين , فأمرتهم أن يجلسوا ..فتحدثت معهم.. فكنت كلما نطقت بكلمة أو أشرت بإشارة أجدهم يتبسمون و هم لا يعلمون ما أقول , و لكن هي مجاملة صاحبهم الجديد .فتحت الحقيبة من أجل استخراج العقود و تنبهت أن الحقيبة قد شدت الأنظار , و هذا خطأ آخر , فعمدت أن أجعلها مفتوحة أمامهم , لتظهر بأنها لا تحتوي سوى العقود و الأختام و بعض الأوراق . وقعت العقود , وطلبت منهم التبصيم , و ذلك بعد أن طلبت من صاحب المكتب أن يخبرهم بالمرتبات , و أن يشرح لهم ظروف العمل هناك . فتمت الموافقة منهم على الشروط , و حانت منهم ساعة الوداع فتقدموا و هم يتحدثون بلغة لأعرفها , و كادوا أن يقبلوا يدي من انحناء ظهورهم , فرحاً بأن تمم الله لهم عقدهم ,  ثم لم يلبثوا إلا قليلاً فذهبوا . فاستودعني صاحب المكتب ليذهب معهم . فخطى خطواته الأولى . ثم قلت له قبل أن يخرج إلى أين أنت ذاهب ؟!  قال : لقد أتعبناك هذا اليوم ..فنلقاك بالغد . قلت نعم سوف نلتقي بالغد , و لكن هناك أمر مهم ..ألم أخبرك في الصبح الباكر أنه يجب أن أغير الفندق هذا اليوم . قال صاحب المكتب : لعلك اليوم متعب و غداً نغيره . فقلت المعذرة فلن أستطيع التأخير إلى الغد , قال سوف أذهب أبحث عن فندق ثم آتي إليك . فقلت أيضاً المعذرة سوف أذهب أنا و أنت و حقائبي ( شكله يقول و الله النشبه ) , ثم أتبعت حديثي و قلت عفواً أريد أيضاً أن يكون الفندق من فئة الخمس نجوم , فأحسست أن صاحبي يكاد أن يسقط على رأسه , خاصة أن المكتب متعهد بالسكن . ذهبنا لوسط أسلام أباد . فدخل في شوارعها الرئيسية ثم توقف بجانب فندق الهوليدي إن . فقال سوف اسألهم و أعود إليك , قلت له سوف أذهب معك . تبسم فقال لا نريد أن نتعبك …فأتبع حديثه و قال : سوف أذهب مسرعاً و أعود إليك . عاد بعد فترة قصيرة فقال للأسف لم أحصل على غرفة فالفندق مليء بنزلاء حضروا من أجل مؤتمر هنا . قلت حسناً سوف أتصل على صديقي في السعودية ليتدبر لنا الأمر و يحجز عن طريق شبكة الفندق الرئيسة للهوليدي إن …أخذته الدهشة . ثم صمت برهة ..ثم قال : لعلي أعيد المحاولة مرة أخرى.أحس صاحبي أن لا فكه..و أحسست لمرة الأولى أنني قد استخدمت جميع أسلحتي بالتشبث بقرار الانتقال من ذلك الفندق القذر….و للحديث بإذن الله بقية

 

 

الحلقة الأولى من : رائعة القصيم …مدينة تتراقص على أنغام النوافير

رائعة القصيم …مدينة تتراقص على أنغام النوافير

 

تركنا أهلنا و أطفالنا في طرف قصيّ من أرض الله الواسعة , تركناهم و عينٌ تنظر إليهم , و عينٌ تنظر إلى السماء و تسأل الله بأن يرعاهم , تركناهم و حملنا زادنا… لنطوي أرضاً و نشق قفاراً .

 

 

تركناهم …و أخذنا معنا اللهفة , و حملنا اللوعة , و تجرعنا الغصة , و شربنا أسى الفراق , و مرارة البعد , و الشديد من القسوة. تركناهم …و حملنا نصف قلوبنا…فقد استأذنا أهلنا… بأن نبقي لهم نصف الحب ..و أن نذهب بشطره… لنسكب بعضه الآخر في قلوب أخوة لنا أحببناهم . شققنا الأرض من أجل لقياهم . شددنا الرحال …و في أجسامنا قلوبنا تنبض حباً لأخوة بيننا و بينهم رباط أخوة .تركنا الأهل و الخلان…لنسعد و نجتمع بمن نسجوا لهم  في صدورنا  حب و لين , و من الصداقة حبل متين .تركنا جميل مساكننا , و عظيم دورنا …حتى نلتقي لمن بنوا في سويداء القلب أعظم مسكن …ذهبنا إلى رفقةٌ لهم بالقلب مكانة .
أخوتي و أحبابي …
لقد سعدت بتلبية دعوة بعض الصحب من الأخوة و الأحبة  , و ذلك لزيارتهم في منطقتهم و مدينتهم التي يعشقونها , فكان اللقاء المرتقب , و اللقيا التي كنت أرتقب .

 

لقد ركبنا خيلنا لنستكشف أرض أحببناها عبر الحرف و الصورة , و أتينا لنستقي حبها من الوجود لتبقى في القلب محفورة . لقد كانت خطواتنا تتراقص طرباً بكل خطوة تُقدمنا إلى تلك البلدة , و كانت صحبتنا تُسعدنا رغم صمتنا الذي نزل مع سكون تلك المنطقة ..فكلاً منا قد ألجمه الفرح و أصبح ينتظر تلك اللحظة التي يترقبها منذ زمن .

 

شققنا كل طريق , و سرنا في كل سبيل , و قطعنا كل درب , من أجل أن نصل إلى صاحب الدعوة , فنحظى برؤيته , و نسعد باللقاء معه , و الأنس به و بمعشوقته  .

 

كانت خطواتنا على تلك الأرض نقش في القلب , تعبر عن مسيرة حب , لبلد من نحب . كانت تعني قرب بعيد لمن كان بالقلب قريب . ترسم لقيا شوق لمن كان له بالقلب منزلة و عشق ..

 

كانت الريح من بعدنا تزيل أثر أقدامنا , و لا أعلم لماذا ؟ فهل أرادت أن تخفي معالم الزائر القادم إليها , لتصنع مفاجأة لصاحبه , أو أملاً أن تخفي درب عودتنا , فنضل دربنا و لا نستطيع أن نعود إلى ديارنا .

 

فليس ذلك غريب على أرض عودت زائريها بالكرم , و تعود أهلها حب الضيافة , و التمسك بعابري السبيل حتى يأخذوا حقهم منه بأكمل صورة .

 

و لقد نلنا من ذلك الكرم أعلى صورة , و حضينا بدفء تلك البلد , و بعبير تلك المدينة , و بنسمات تلك الأرض , و بجمال تلك المحافظة , و ببديع أهلها , و أرضها , و سمائها , و طيب منزلها , و حسن مطلعها .

 

فإن أشرقت شمسها فهي ضياء , و إن اختفت خلف الغيوم فهي قطرات وفاء , إن حضر وقت مغيبها فهي شديدة الحياء . و إن أقبل ليلها فهو سكون , و قمر منير , و حسن مستدير … أكمل القراءة »

البرهان على بطلان ما أورده الزعيم ألفان أبو سلطان من تخصصي بتصور القطط و الخرفان

البرهان على بطلان ما أورده الزعيم ألفان أبو سلطان من تخصصي بتصور القطط و الخرفان

مقدمة : تعرفت على صديقي العزيز الأخ / أبو سلطان قبل ثلاث سنوات أو يزيد ,وذلك عبر الشبكة العنكبوتية , و اكتشفت من خلال تلك السنوات الثلاث أنني وجدت أخاً كنت أبحث عنه منذ سنوات , فبيننا تطابق عجيب , و تصادف غريب , فقد ولدنا أنا و هو في نفس السنة , و حججنا في نفس السنة ,ودخلنا إلى عالم النت في نفس السنة ,و كان المنتدى الذي يضمنا هو أول منتدى نشارك به . وكان الوسام الذي استحققناه في فترة سابقة هو نفس الوسام الذي أعطونا إياه مع بعضنا . بل إن أسم أكبر بنياته بنفس أسم أكبر بنياتي ,وولد له آخر مولود بنفس الأيام التي ولد لي فيها آخر مولود , بل أنني اخترت معرفاً جميلاً باسم زوجتي في عالم النت  , وبالصدفة كان هو أسم أمه الحقيقي ومعرفها عبر النت ,و أيضاً من الصدف أنه سافر قبل سنوات إلى ألمانيا و بالتحديد إلى مدينة بون , وسكن في شقة عند سيدة ألمانية , وذهبت بعده بأربع سنوات إلى ألمانيا وسكنت بنفس الشقة بالرغم من أني لم أكن أعرفه . دعوني أحدثكم عن هذا الصاحب , لقد غير النظرة إلى العلاقات عبر الإنترنيت , في خلال سنوات بسيطة كون علاقات كثيرة من أعضاء النت . فلما تعرفت عليه أتصل علي و قال : أريد أن أزورك في بلدتك , فخرج من بيته وقطع مايزيد على ألأربع مئة كيلوا من أجل الزيارة , فجلس أقل من ساعتين ثم عاد إلى مدينته , و ليس ذلك عليه بغريب , فمحبة الأخوة لها قدر في صدره , فقد أنطلق أيضاً من بيته في الرياض متوجهاً إلى الكويت في رمضان و هو صائم, ومن أجل أن يفطر مع أخوته هناك ,ثم عاد إلى بلده .هكذا هو يتمتع بمحبة الجميع وتحس بدفء الأخوة يصدر و بعفوية من لقاءاته و مقالاته . هل هذا كل ما يخص الصديق , لا فهوله جانب آخر , فهو عبر الشاشة شرس مشاكس ,ويحلو لي أن أسمية ” وحش الشاشة ” , فهو لما دخل إلى عالم النت , ففي منتدانا زاد المسافر السياحي , نشر أشياء لم تطرأ على ذهن بشر , و لم تخطر على قلب أحد , وبأسلوب رائع جميل , فصار يدعو إلى الانقلاب على الزوجات و التحرر من قيودهن حتى الممات , وصار المنتدى الذي يكتب فيه رأساً على عقب , فالنساء لم يصبرن على دعوته , والرجال منهم مؤيد و منهم معارض لنظرته . و بعد سنة من هذه الدعوة خرج بدعوة أخرى و بعكس أختها , فقد بدأ يتحرر من دعوته السابقة , فصار يدعو إلى السياحة المنزلية , فيقول في كل مقال : أعمل في الصيف في البيت حتى ترضى زوجتك عليك . وأنشأ مقالات عدة و موضوعات متفرقة عن هذه السياحة . ولكن هل توقف الأمر عند ذلك لا بل خرج , بتقليعة جديدة لمن لا يبتغون أن يصرفوا درهماً واحداً في سفرٍ أو نزهة ,فأخرج السياحة السطوحية ,بحيث يهاجر المرء إلى سطح بيته في أوقات عدة من السنة , فقامت الدنيا و لم تقعد عليه و من أجله . فهاكم بعض صور رحلته عبر السطوح قبل إقلاع الطائرة :

  و هذه صورة بعد أن حطت الطائرة رحالها في أحد الدول المجاور,أقصد السطوح المجاورة .

  ولكن أيضاً هل انتهت مشاكله ومقالبه , فلقد أخذ يعادي الكل ويتقدم بموضوعات لاذعة ناقدة , منها موضوع يختص بفن التصوير عن نسيم نجد ,مما دعاني أن أكتب هذا الموضوع لأبين للجميع علاقتي معه . أكمل القراءة »

الحلقة الأخيرة : صور من أبها خير من ألف ألف حرف

الحلقة الأخيرة

 

اليوم الأخير كان عبارة عن رحلة مطولة لأماكن شهيرة لأبها البهية , فإن كنتم باشتياق لتتعرفوا أين كانت الجولة فاستعدوا لنعبر كيلوات عدة , و نعيش مناطق متفاوتة , و نتعرف على مناشط متباينة .

 

 نهاية الرحلة كانت مشابهة للبداية ,حيث بدأت رحلتي هذا اليوم  من على السفرة . حيث تفوح رائحة الفول و تنتشر في الشقة , و تعقبها رائحة الخبز الفواحة فتزكم الأنوف فيجبر الجميع أن تمتد أياديهم إلى الأطباق .

 

 فكما بدأنا الرحلة في أول حلقة من مائدة الإفطار فنحن اليوم نختمها من مائدة الإفطار . فحيا هلاً بكم في رحلتنا في ربوع أبها …

البداية من منطقة الحبلة  و هي منطقة تقع في أطراف مناطقة أبها , و قد كانت منذ سنوات قريبة تعتبر منطقة معزولة عن العالم , و هي قرية من القرى النائية تقبع تحت جبال عالية . حيث ينزل أهل تلك البلدة إلى بلدتهم بوسيلة وحيدة , و هي حبال ممتدة من سفوح الجبال إلى قيعانها . حيث تتواجد قريتهم التي عشقوها  , و استحملوا الصعاب من أجلها , كانت عيشتهم التي اختاروها مناسبة لهم حيث يتسلقون الجبل في أول النهار ثم يجلبون حاجتهم و يعودون قبل الظلام . فلم يفكروا أن يغيروا من طريقتهم , أو يبدلوا عيشتهم . حيث تنتشر بيوت القرية تحت أغصان الأشجار , و يمر بتلك البلدة أودية تستسقي من الجبال المجاورة , و تحيط بهم مزارعهم الصغيرة التي توفر لهم الكثير من متطلبات الحياة . لذا فهم لا يصعدون الجبال العالية إلى للضرورة القصوى , أو لتوفير حاجات لم يستطيعوا أن يستخلصوها من بيئتهم . استمر وضعهم على هذا الحال سنوات عدة . حتى امتدت لهم يد الحضارة , و انتشلتهم من بقعتهم تلك  , و أسكنتهم في أواسط المدن المحيطة . انتقلنا من أبها إلى الحبلة عبر طريق يجذبني و بشدة , و هو طريق الواديين , حيث يعجبني بتعرجاته و جميل بيوته . و لم يخلوا الطريق من مناظر المزارع المدرجة , و بعض القرى الصغيرة الرائعة , و الكثير من المساكن القديمة .

أيضاً لعل القردة كانت حاضرة في تلك المنطقة , فهذا موسمها الذي تنتظره , فهي تريد أن تستمتع بالموسم السياحي على طريقتها الخاصة , فمنها الاستعراض ومن الناس الأكل و الطعام . أكمل القراءة »

الحلقة الثالثة : الـــطريـــق إلـــى زيلامـــســـــي

الـــطريـــق إلـــى زيلامـــســـــي
تقع شقتي على شارع – Laufenbergstrabe – في وسط حي بادقدزبيرق  – badgodseberg –   , و هو حي من  أحد أحياء مدينة بون – bonn –  لألمانية…

و عبر الطريق B9 , الذي يخترق المدينة  , و يتجه إلى مدينة فرانكفورت , و على هذه السيارة  , كانت البداية لرحلتي … 

نظرة وداع ألقيتها على أطراف المدينة  , نظرت إلى ورائي لأشاهد آخر معالمها , و ألقي نظرة الوداع عليها , بالرغم أنه ليس هناك ما يتعلق به قلبي بتلك المدينة . لكن الوداع , يؤثر في النفس مهما كان هذا الوداع , ألقي النظر الأخيرة عليها , وهي تزين صدرها بأنواع الورود , و أعالي جبالها تزدان بأشجار العنب و التفاح , و نهرها الجاري هي دمعة الوداع التي سالت بين أطرافها لوداعي  ,  سرت و تركت خلفي ذكرياتي كثيرة و مناظر جميلة , مع موعد قريب بإذن الله بعودتي 

وسط أكوام من السيارات المتجهة إلى مدن الجنوب الألمانية ,  فرانكفورت , ميونخ , عانقت سيارتي الطريق الطويل A3 ثم اتجهت إلى A9  . في طريقي إلى النمسا , كان الطريق طويل جداً  , و الأمل بقضاء أيام سعيدة كبير أيضاً جداً , بارقة الأمل تخفف علي ذلك العناء … 

في هذا الطريق الطويل شاهدت كيف يعشق الألمان هواياتهم , بل و وكيف ينمونها ,  و لا أظن أن أحد من شعوب العالم يجاريهم في التمتع بتلك الهوايات , و التزود بكامل متطلباتها , كانت السيارات  , كل السيارات تحمل معها ما يدل على هوايات أصحابها , و قد جهزت بكل ما يحتاجونه في رحلاتهم الأسبوعية , سيارات عليه دراجات , سيارات تسحب زوارق , سيارات بكرفانات , بل إن هناك سيارة تسحب طيارة شراعية . فعجباً لذلك التنظيم الذي يعتمدون عليه في رحلاتهم , و لعل هذه العادات أخذوها منا نحن العرب . أكمل القراءة »

أخبار منتصف الليل الساره

أخبار منتصف الليل السارة
لعل الاسم الذي سوف أضعه بين يديكم أشهر من أن يقدم له أمثالي . فهو إنسان عَلم في مجاله قد عرف في عالم السياحة عبر النت حتى اشتهر أمره و ذاع صيته . عرفته عاشقاً لسويسرا كدولة . محباً و هائماً بصغيرته السويسرية ديفون كمدينه . هذا الرجل استطاع أن ينظم المنظومة العربية للسفر السياحي , و أن يقدم مفهوماً جديداً للفكر السياحي المقنن و المنظم , بل ويعيد ترتب أوراق العمل السياحي الفردي أو العائلي بشكل آخر . فهو يمزج بين المعلومة المشوقة و العرض السهل السلس  عبر تقاريرٍ سياحيٍة مبسطة لا تملها أو تتكلفها . ليس هذا فحسب . لقد بذل نفسه في مجال لا يصبر عليه إلا محتسب . فهو يرشد و يوجه  و يساعد و يبذل و ينير طريق الكثير من المسافرين . أعرف الكثير عن هذا الرجل الخير , في دروب شتى من دروب الحياة النيرة . و لولا أنني أخشى أن يغضبه ذكر بعض محاسنه لذكرتها و لن تكفيها الصفحاتي . و لكن  أسأل الله أن يجعل ذلك في موازين حسناته . و أن يرفع قدره , و يعلي شأنه . و أن يبارك له في ماله و ولده و وقته و زوجه  و أهله .
قابلت أخي مرتين . المرة الأولى في مقهى في مدينة الرياض . فلما تحدثت معه . جذبني حديثه , و راق لي مقاله . و أحببت عبر كلماته جميل أفعاله . فصرت و كأني أعرفه منذ سنين . إنسان أعطاه الله الابتسامة , فأشع وجهة بنور الحب , و إنسان أعطاه الله حب الغير ففاض قلبه للمساعدة و بذل الخير . إنسان يتحدث بسجية و يتصرف على طبيعته . فهو لا يتكلف اللقاء بل يبدأ حديثه ببساطه و ينهيه بابتسامة .
و قابلته المرة الثانية برحلة برية , في مخيم التنهات , حيث التقينا هناك  بين زهور الأرض في الصباح و نجوم السماء في المساء . فإن هبت علينا أنسام الشمال تلقينا عبير الورود و الرياحين . و إن توقف نسناس الباري فقد إعطان الله من من الصحب مايفوح بأزكى رائحة من ذلك . فهم أصحاب خير و جلساء خير كالمسك لا يخسر مصاحبه . لا تعدم خيره , و لا تنسى أثره . و إذا كان المساء كان السمر تحت ضوء القمر أو رسم النجوم في السماء . حيث نتأمل كواكب الكون , و ننعم بكواكب الأخوة من الأحبة . كان اللقاء بيننا ينم عن أخوة صادقة و محبة راقية . قد خلصت من حطام الدنيا . و زخرت بكل رائع من صفاء المودة و المحبة . لا أطيل عليكم في هذه المقدمة . فقد وفقت مساء هذا اليوم و وجدت كنزاً رائعاً . و هي مدونة باسم أخي العزيز : aboaziz . فمبارك عليك هذه المدونة , و مبارك علينا اسمك الذي بدأ يتلألأ في فضاء النت . فحيا هلا بك في عالم التدوين .