يوميات مسافر – 4 –

 الحلقة الرابعة :رحلتي إلى بلاد السند و الهند

في عيني… أستجمعت كل قواي التي أختزنها في نفسي لمثل هذا اليوم…فبدوت أكثر ثقة , و ظهرت أكثر تماسكاً و جرأة …و نظرت إليه بقوة و بعينين مفترستين , حتى أُضعِف من شأنه و أجمع شتاتي لأكمل عبارة واحدة فأقول له : من تكون أنت ؟! … لكنه لم يدع لي فرصة أن أستعرض عضلات العيون , أو حتى أن أنطق بالمكنون . فعرف حديث عينيّ  , قبل أن ينطلق لساني , فأراد أن يستدرك الموقف , و أن يوقف حرب النظرات , و أن يقطع نظراتي المتسائلة , و أن يفكم طلاسم المفاجأة , و أن يسكن مشاعري الخائفة .. فتحدث بهدوء أقرب إلى الصمت فقال :  بل أنا صاحب المكتب بنفسه !! ..أحسست بسيل من الأمان ينزل إلى قلبي  …ثم تحول الأمان إلى حرج يلفني من أطرافي فكأنها عاصفة هوجاء تريد أن تقتلع قلبي و ذلك لأني شككت فيه و تصورته بصورة سوداء لا تليق بمقامه , و من ثم تحول الحرج إلى ضيقاً يحل في صدري و ذلك لأني تذكرت أيضاً أنه رفض إلا أن يحمل حقيبتي في المطار . كل ذلك تم في لحظة قصيرة لا تقاس بوحدات الزمن , و لكن هي تقاس بمقياس تحول المشاعر , بين الخوف و الأمن .
 كان اللقاء الأول , و كان الحديث كمثل أي حديث أول . سؤال هنا و سؤال هناك . و إجابات قد تكون معروفة من قبل أن يصدرها السائل . كنت أعتقد أنني أجيب على أسئلته بشكل مبرمج , و بدون أن تأخذ مني تلك الأسئلة أي جهد أو حماس . و كانت الأمطار تعزف على وتر النعاس . بين المطار و المدينة أختار صاحب المكتب الفندق الذي سوف أسكن فيه ,و لا أعتقد أنه يدخل تحت تقيم النجوم , فحتى النجمة الواحدة نظلمها إن صنفناه من ضمنها . وصلت إلى الفندق و لم أرى أي مظهر من عمران المدينة , أو مشهد يبين أنني على مقربة من إسلام أباد , بل و كأنني سوف أسكن وسط غابة , أو هجرة , أو مكان لا أستطيع تحديده أو يستطيع رجل المهمات الصعبة المري / قوقل بن إيرث تحديد نقاطه أو رسم خريطته . نزلنا إلى الفندق و كنا في ساعة من الليل متأخرة , و كانت الأنوار مطفأة , و ضوء خافت في زاوية بعيدة قد سطع على منصة الأستقبال  …يعلن أن هذا الجزء من العالم فيه حياة . و خلف منصة الأستقبال يوجد موظف تغطي المنصة كل جسمه و لم تبقي إلا رأسه …أحس بوقع أقدام , فنهض متثاقلاً , ثم أبطأ الخطوات فكأنما يريد منا أن نقطع أطول الطريق إليه , فيفوز هو براحة و لو حتى جزء من الثانية , و لما أقبلنا عليه رفع صوته بالأستقبال و الترحاب , لم يستطع الضوء الخافت الذي يبذل جهداً خرافياً ليضيء هذا المكان أن يظهر الكثير من ملامح وجه , و لكن ظهر من خلال عينيه أن النوم كان ساكناً فيهما منذ وقت يسير , و بدا من خلال صوته أنه لم يكن له عهد قريب بالحديث ..بل إن آخر الحروف التي نطق بها هي بعض الشخير . بدأت لغة التخاطب بين صاحبي و صاحب الفندق و بصورة مطولة , و كأنهم أخوة لم يلاقوا بعضهم منذ سنين فائته . ثم قدم لي مفتاح الغرفة , أمسكت هذه المرة حقيبتي بنفسي…و لما ذهبت غير بعيد …أستدرت بجسمي فجأة …فوجدتهم ؟!….و للحديث بقية
نسيم نجد
www.naseemnajd.com

عن سليمان الصقير

محب للسفر والترحال : مؤلفاتي : 1- 800 خطوة لرحلة سياحية ممتعة 2- 150 طريقة ليصل برك بأمك 3- أمي أنتِ جنتي 4- بنيتي لكِ حبي 5- مذكرات مدمن إنترنت

شاهد أيضاً

يوميات مسافر – 7 –

 الحلقة السابعة : رحلتي لبلاد السند و الهند لقد شربت من كأس النصب و التعب …

4 تعليقات

  1. علي الآن أن أقرأ الحلقات السابقة 🙂

    أحييك أخي الكريم على سمو أخلاقك، فلا يمكن أن يكون الشخص الذي يتألم لبأس الآخرين ، إلا أن يكون ذو خلق كريم ..

  2. كنت قد قرأت حلقات الهند والسند السابقة منذ زمن
    وعدت لها لأتذكر ما وقفت عنده , لأستكمل ..
    فلقد أنسانا نعيم زيلامسي .. بؤس تفاصيل هذه الرحلة

    ويؤلمني أن نضطر الحديث عن حالٍ بئيسٍ في بعض الدول الإسلامية
    وحالٍ رغيدٍ في غيرها
    أظنه يؤلمكم أيضا ..
    لكنه الواقع ..

    التخلف الحضاري
    العوَز الإنساني
    الحزم في موطن الرحمة
    القسوة في سبيل النصح وإبراء الذمة
    كلها واقع مؤلم
    قدرٌ أن نعيشه , وأن نواجهه بإيمان ..

    أظن حدثا ينتظرنا ..
    فمتابعون ,,

  3. أخي الفاضل / رحلة عبر المدونات
    حياك الله في صفحتي و التي هي بطعم التوابل الهندية ..
    حياك الله في ورقتي السابعة و آمل أن تعجبك بقية الوريقات..
    حياك الله وبياك و أقول…لقد أغرقتنا بجميل لطفك..

  4. الفاضلة / رحيل ~
    أعتقد أنني تأخرت كثيراً في هذه الحلقة ..فالعذر من الجميع..

    و أعتذر أن ذهبنا بكم جميعاً إلى أرض الطبيعة ثم عدنا بكم بمثل هذه الرحلة البئيسة …

    و أعتذر إليكم مرة أخر أن كان التأخير سبباً بقطع أفكارك عن الحلقات السابقة , مما جعلك ترجعين مرة أخرى إلى حروفنا الضعيفة ..إنه كرمٌ منكم عظيم .

    أما الحديث عن حال أخوتنا في خارطة العالم الأسلامي …
    هو نبش لمقبرة المآسي…
    و هو مرثية نقرأها صبح مساء…
    و هو عزاء نقدمه لأنفسنا كل يوم …
    و لن يغير الله ما بقوم حتى يغيروا مابأنفسهم..
    و لن تصلح أحول الرعية حتى يصلح الراعي..و لن يصلح الراعي إلا بصلح البطانة..
    و من يتقي الله يجعل له مخرجاً..
    فنسأل الله أن يخرج الأمة من الغمة …و أن يرفع شأن الأمة ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.