اللقطة الرابعة : خط سير الرحلة مع شخص أصم أبكم
طريق السير : من مدينتي إلى الرياض 10 صباحاً , من الرياض إلى مسقط 5,5مساءً , من مسقط إلى البحرين 1 صباحاً , من مسقط إلى فرانكفورت 2,5 صباحاً , ثم الوصول 7,5 صباحاً إلى ارض المطار , الوصول إلى بون الساعة الواحدة ظهراً , 27 ساعة طيران , و خمس مطارات , وخمس مرات إقلاع , و طبعاً خمس مرات هبوط , وخمس وجبات ( زاد الوزن ) , وخمس مرات تغيير طيارة , و خمس مرات تغيير الكرسي , , على هذا لعدد من الأرقام من الممكن أن أدخل كتاب جينس للأرقام القياسية , حقيقي أعتبر نفسي قد اجتزت أصعب اختبارات التحمل , وبذات عندما أعلن المنادي في مطار مسقط إن الموعد تأخر لمدة ساعة , وبعد ذلك يفاجئنا بصوته الرخيم أن الطائرة سوف تهبط في مطار البحرين ” يامفتري ” , لكن الحق يقال الرجُل لم يقصر معنا فقد قضى جزءً كبيراً من وقته بالدعاء لنا , بعض الوقت يدعي لنا بأن نقضي رحلة سعيدة , و أن نصل سالمين , و أنهم يتمنون أن نستمتع برحلتهم , و أن نعود مرة أخرى على هذه الخطوط جزاهم الله خير , الكلام الطيب يخفف بعض العناء , و أعتقد أن البعض يريد أن يقولون لي : إيش ألي حادك على المر , أقولكم ألي أغلى منه فالسعر عبر خطوط الخليج يقل و بكثير عن الخطوط الأخرى , و قد يعتقد البعض أن المأساة انتهت , لقد أحسنتم الظن بحالي , إن من أسوء الأشياء أن تركب الطائرة بجانب شخص أصم أبكم , كلما أردت أن تفتح معه موضوع أغلقه بسرعة , و إذا تبسمت كشر , و إذا ضحكت عبس , و إذا التفت إليه أعرض , أسرع من سرعة الصوت و الضوء و الرياح في إغلاق أي مجال للحديث ( كونكورد تسكير مواضيع ) , و أنا ولله الحمد على قضائه و قدره وفقت بتلك النوعيات في كافة الرحلات التي مررت بها في سفرتي هذه , ( ممكن هم يقولون عني نفس الشي ) , حالات مستعصية من التآلف مع الآخرين , على العموم , جاورت في رحلاتي هندي و عربي وجنسيات كثيرة لا أعرفها , كأني أبحث عن حظي في هذه الرحلات فلا أجده , أو طأني أبحث من يقضي علي وقتي فلا أصل إليه , من الذين جاوروني شاب كنت أعتقد أنه أفريقي قلت له : نصفها كافتتاح للدردشة و النصف الاخر استعرض بما أملكه من الكلمات البسيطة فقلت : يو سبيك إنقلش : نظر ألي بربع عين ’ بل بأقل من ذلك , ثم قال…no ..NO من نفس شينه و بشكلين من الكتابة الصمول و الكابتل ( شين و قوي عين ) , وأدار بوجهه إلى الجهة الأخرى ,و لكن لقد التمست له عذر , فم الممكن أن تكون زوجته أغضبته ( قصدي ممكن هوا مزعل زوجته , الاحتياط و اجب ) , أو من الممكن أن يكون قد ذهب إلى فرانكفورت لعزاء بعض الأقرباء , أو ممكن عاملة مصيبة مع المدير , ( بعض المدراء الله يهديهم يطفرون الواحد ) ,كل ذلك أسلي نفسي بعدم قبولي من جليسي الذي بجانبي . و عندما هبطنا في المطار , و لم يستطع تحديد المسار قال لي نفس الشخص : ياخوي و ين الجوازات , و أنا بيني و بين نفسي أقول مسكت ست ساعات و نفس شينه و توك تحكي عربي , أرسلت ست علامات تعجب من عيني , و خمس اندهاشات من حاجبي , و استنكار طويل من بوز ممدود يكاد يعبر الحدود , ثم أجبته على سؤاله . على العموم لكل مشكلة حل , أنا أخذت احتياطي للتعامل مع مثل هذا الرجل في الطائرة , حقيبة اليد فيها أربع كتيبات , فأشتري كتاب خاص لكل رحلة فيكون هذا الكتاب رمز لتلك الرحلة , أكتب عليه في المقدمة بدأت قراءة هذا الكتاب في التاريخ كذا , عندما كنت بين السماء و الأرض في رحلتي بين مدينة كذا و كذا , عندما جاورني في المقعد أصم أبكم جنسيته كذا و كذا , فكتابي في هذه الرحلة في طريق الذهاب بعنوان ” أيام من حياتي ” للدكتور / زهير السباعي , أبحرت فيه مع الكاتب في تجربته في الحياة أيما إبحار , في سرد قصصي مبسط لتجربه شخصية مليئة بالأحداث , في قالب جميل مشوق , فهو ينقلك من بين أزقة الحجاز , إلى سراديب القاهرة , إلى مدن ألمانيا , إلى ولايات أمريكا , ومن ثم يتركك في شوارع بريطانيا لتتخيل باقي التجربة , يعرض في هذا الكتاب تجربته المتخصصة في بحث الدكتوراه في تخصص طب المجتمع , وما تكبده من قسوة العيش في قرية نائية من قرى الجزيرة العربية , حيث يجري بحوثه و تجاربه في تلك البقعة السحيقة من الأرض ( جملة اعتراضية …أنا لما قراءت الكتاب تيقنت أن الدكتوراه صعبة واجد , كنت أفكر أدرس دراسات عليا , و أجمع من هالكتب و أقعد أطالع فيهم و كم شهر أو سنه و يصير قدام اسمك الحرف المميز ” د ” شوفوا شكلها يا سلام د / نسيم نجد , و إذا جلست في المجالس أقعد أقول للناس كلمات الدكاتره المشهورة , في الحقيقة و الواقع , و من واقع تجربة , و عندما كنا في أمريكا , و أنتم إلى متى متخلفين , بعدين لازم إذا رحت البحر آخذ كرسيين و لونهما أبيض مخطط بأزرق واحد لي والآخر لزوجة الدكتور ” حضرتي ” و نلبس نظارات شمسية , وعصير ليمون يصبرنا و يهدي أعصابنا على هالمجتمع المتخلف الرجعي , ونجلس نطالع بالمتخلفين ألي حولنا جالسين على بسط و يشربون شاهي في جوا رطب و حار , ونتحاور أنا و زوجتي كيف نستطيع تعديل المجتمع من هذا الوضع إلى وضع تقدمي أفضل , لا لا لا الله لا يقوله سرحت بس اشوي ورفعت خشيمي أجل لو أصير دكتور بحق و حقيق و ش أسوي ) نعود للكتاب و الرحلة حقاً 200 صفحة من التجارب , تمنيت أنها أكثر من ذلك بكثير , وكان أكثر ما يضايقني هما المضيف أو المضيفة عندما يقاطعون رحلتي عبر الصفحات بوجبات الطائرة , ولكن عندما تفوح رائحة الوجبة الشهية أقدم غذاء البطن على غذاء الروح , الكتاب لاحقين عليه , بعدين لما أموت من الجوع مأعتقد ينفعني لا زهير السباعي و لا غيره , بعدين الدكتور السباعي دائماً ينصح بالتغذية السليمة , ولا مو كذا يادكت
ور , كذلك لاحظت أن الجميع عند إقلاع الطائرة يتظاهرون بالتعب فيطلبون اللحاف و الوسائد , فيجمعون كل الأشياء المجانية بجانبهم , و ذلك من باب أن ” الشيء المجاني ربحه بيّن ” فلا ترى منهم إلى أطرف أنوفهم و لمعة من عيونهم من كثرة الوسائد و الشراشف المطلوبة و السماعات المعلقة , ثم يضع الكرسي على أقصى ما يكون من وضع الاستلقاء وعندما تقبل المضيفة ( إتقرقش بصوت المواعين ) ونداء المضيفة ” ميت أور تشيكن ” يخرج الموتى من تحت شراشفهم , و ترفع الوسائد , و تنصب الكراسي مخافة أن يفوتهم قطار التغذية ( تراني أنا ماي مثلهم جالس ثقل , وقاعد أردد : شيكن شيكن شيكن , الاستعداد طيب ياناس ) لو تنظر إلى الناس و كل و احد منهم يرفع رأسه من فوق الكرسي الذي أمامه و يقول في نفسه : عسى مايخلص الأكل عني , و يناظر بالساعة , و يتساءل ليش تأخروا عسى ماشر , و يقضم برطميه , لا أدري هل هو من الحماس الزائد أو تمرين بسيط يسبق الأكل , أنظر إليهم و أقول بنفس ” بدري يالحبيب يجي دورك فشلتونا مع ربعنا الأوربيين ” , الغريب عند الأكل يتساوى البشر الأوربيون أو غيرهم , فكلهم لابد أن يتذوقون الطعام سواءً , أعجبهم أم لم يعجبهم , ويهمهم أن لا تفوتهم الوجبة , الضجيج يرتفع في داخل الطائرة , فالعالم من كل حدب و صوب ينادون أحد يقول : ” شيكن , ثانكيو ” و أحد يقول : ” مِيت بليز ” أنا ميت من الجوع , واحد يقول ميت ويذ شيكن , ثم يكرر للمضيفة الأعجمية , جزاك الله خير , و كثر الله خيركم , وكثر الله من أمثالكم , و المضيفة تقول : ثانكس ثانكس يا أبن الناس , أعود إلى خط الرجعة فقد جهزت ثلاث كتب للدكتور غازي القصيبي أولها ” استراحة الخميس” و الثاني ” العولمة” و الثالث رواية باسم ” سلمى” رأيت فيها الدكتور شاعراً و راوية و ووزيراً مهتماً بشئون التجارة والصناعة , يتجاوز مجموع صفحات الثلاث كتب 250 صفحة , بأحجام مختلفة , و مواضيع متفرقة , يجمعها الأسلوب الممتع , أفضلها العولمة , ثم سلمى , ثم استراحة الخميس , للحديث بقية و أشكركم على متابعتكم وصبرك أو تصبركم .
وغداً القريب ألقاكم بمشهد جديد و لقطة أخرى
أخوكم : نسيم نجد
www.naseemnajd.com
روابط بقية الحلقات …