اقتربت الرحلة :
أنا أقف أمام الكونتر , أفراد الخطوط الجوية يحاولون عبثاً أن ينظموا طابور الركاب , الجميع لا يتخلون عن فكرة أن الأولوية لهم , فالعرب من الممكن أن يكونون منظمين في الدور , لكن على التوازي , أي بجانب بعضهم البعض , و ليس على التوالي خلف بعضهم . بعد جهد جهيد , و بعد صوت يزلزل القريب و البعيد , و بعد الاستعانة برجال الأمن تحقق النظام . وصل دوري للكونتر وضعت المحروستين -لحقيبتين – على الميزان , المؤشر الرقمي يتزايد حتى و صل إلى الرقم 67 كيلوا محققاً رقماً قياسياً من بين الركب , موظف الحجوزات منهمك بأعداد تذاكري و النظر في جوازي , قلت في نفسي : ” الله و أعلم تبي تفوت على ها الأجواد ” , نظر الموظف إلى الميزان قال : أأأف بشك مفخم و مفخخ ليعلن نتيجة الميزان المهولة , لسان حالي يقول : ياحسرة وقعنا , فجاء الرد مباشرة من الموظف كالصاعقة فقال : رجاءً ضع فقط حقائبك لوحدك على الميزان , قلت له هذه حقائبي أنا فقط ( الرجال يعتقد أن هذه حقائب الطابور بالكامل ) , قال : لديك مشكله فالوزن زائد , و أنا أحاول أن أتجاهل الموقف اعتقدت أن الابتسامة سوف تنقذني مما تحمله حقبتي , ثم أتبعت و قلت : عسى ما هوا كثير , قال : و الله كثير جداً , رددت بصوت مسموع لا حول و لا قوة إلا بالله لعل عين العطف تلحقني , كم ؟!..كم..؟! كم المبلغ الزائد يالطيب , فقال : ألف و أربع مائة ريال , أنطلقت من لساني و شفتي تأفيفة مقاربة لتأفيفته السابقة …أأأف …كثير ممكن يالحبيب ” دسكاونت ” قلتها وخشيت أن يتم باقي حديثه على شاكلتها فصاحبكم محدود الكلمات , عرك لحيته , ثم هرش خده , فكأنه يبحث لي عن مخرج من هذا التيه , ثم أتبع تلك الحركة بكلمة صغيرة في حروفها مزلزلة في معناها فقال بعد أن أعياه التعب: مشكلة , لكن منعه الحياء أن يجعلها لوحدها فقال: لكن لعلنا نحاول , بعد عدة محاولات صفينا على ألف ريال , ما هي مشكلة أهم شي عدتنا كاملة و أغراض القهوة و الشاي كلها معنا على أوربا و بموافقة رجال الجوازات و الجمارك و جميع الدول الأوربية الموقعة على اتفاقية التشنقن , نظرت إلى الوراء وملء عيني سعادة و ملء عيون من في الطابور غضباً وحنقاً على هذا المسافر الذي يؤخرهم من أجل دريهمات معدودة لوزن زائد من أغراض ليس لها قيمة في تلك الأراضي , كم من المريح ان تتخلص من هذا الهم الكبير لتلك الحقائب الثخينة , نظرت إليهم من بعيد و السير يكاد يبتلعهم جميعاً , فأشفقت على السير من الغصة , نظرت إليهن نظرت الوداع الأخير , آه كم عانيتن معي وكم تكبدتن من المشاق من أجلي فلولا الحياء لبكيت على فراقكم ( لا تصدقون ) , كن تباعاً دخلت الحقيبة الكحلية و سقطت و هي تخفي أحزانها , أما الحقيبة البنية قفد بدت أكثر تماسكاً , إلى اللقاء في سير فرانكفورت الدولي , فهناك ستطبع القبلات و وتوزع الورود وتسكب العبرات , دخلت جميع الحقائب في أماكن التحميل للطائرة , فلما تأكدت أنها فارقن المكان , بدأت نفسي المنكرة للجميل تقذفهن بأقسى الكلمات , فإلى الهاوية أيتها الحقائب الدبية , يا ثقيلة الدم , يا ذات اللون الغامق القبيح, يامن كبدتنني الكثير من الخسائر و جلبتن لي العظيم من المشاق , أما أنتم كفارين عشير أيها الرجال , كلمات أتوقع أن ينطق بها أحد من البشر ليس من الرجال ولا من النساء ممكن يكون من أخواتنا الحقائب …وغداً القريب ألقاكم بمشهد جديد و لقطة أخرى
أخوكم : نسيم نجد
www.naseemnajd.com
روابط بقية الحلقات …