ماذا تفعل الفتاة السعودية في مدينة بون الألمانية ( 10 )

اللقطة التاسعة : تأملات في و جوه الألمان
تأملت في و جوه الألمان كثيراً لعلي أجد قواسم مشتركة بيننا و بينهم ,  و لكن لم تفلح شتى محاولاتي ,  فهم العكس الحقيقي للجمال العربي , والعكس الحقيقي للتركيبة النفسية العربية والعكس ألانهائي للفوضى العربية ,  فكل ما يتمناه العربي من الجمال  , أو طيب النفس  , أو الفوضى لا يمكن أن تجده هناك ,  فأجسامهم طويلة طولاً فارعاً ,  كأنك أمام كتلة بشرية متحركة تكاد أن تحجب الأفق ,  و منكبين عريضين يستقر فوقهما رأس كبير بألوان ليست بالبيضاء أو الحمراء ,  بل هي خليط نشاز تنكره النفس العربية و لا تميل إليه  , و يعلوا ذلك الرأس فروه من الشعر الأبيض  , و في أحسن الأحوال الأشقر الفاتح ,  وإن كان هناك من مشكلة في المظهر فهي مشكلة الشعر الأبيض و النمش الأسود في وجوههم فهم يتضايقون من تلك المشكلتين ,  و يسعون السعي الحثيث للتخلص منهما أو تقليلهما و لكن بلا فائدة ,  أما التعابير النفسية فحاولت أن أجد مبرراً لتلك الظلمة ( التكشيرة و البوز الجاهز بسبب و بغير سبب ) التي تعلوا وجوههم ,  وتلك الطريقة القاسية التي يتعاملون بها مع الزوار فلم أجد مبرر لها ,  لقد ضننت أنها بسبب إرهاق العمل ,  فترقبتهم في أوقات الإجازة ,  و لم يتغير الأسلوب أو الطبع ,  فالابتسامة قد حرمت عليهم يوم سبتهم و يوم لا يسبتون ( يسبتون = السبت ) ,  وعندما سألت عن حالهم هل هذا مطبق على الأقليات الوافدة  , أو أن تعاملهم مع العالم بأسرة بهذا الشكل ,  كان الجواب من إنسان عاش معهم 37 سنة و يحمل جنسيتهم ,  فيقول : أن ضعف الروابط الاجتماعية بينهم أصبح ظاهرة اجتماعية تحتاج لعلاج  , فالعواطف مفقودة  , و الصلة منقطعة  , حتى الحب قلما يغرد في صدورهم إلا نادراً و في حدود ضيقة ,  بل هناك اعتقاد بينهم أن الحب يأتي بعد الزواج و ليس قبل الزواج  , وهذا عكس جميع الدول الأوربية ( أنا لا أخالفهم بل أستغرب من مخالفتهم العرف الأوربي ) يقول أحد الذين استقروا هناك : أنا عشت معهم كل هذه الحقبة الزمنية و لا أملك أي صداقة حقيقية مع إي إنسان منهم ,  إنهم أناس يحملون كل أصناف الغرابة  بكل ما تحمل تلك الكلمة من معنى ,  لقد صرفوا عواطفهم و حبهم في أربع أشياء رئيسية :
أولاً العمل , ثم النظام  ,  فالجد و الاحترام للعمل من أهم الأشياء في الحياة  , و كل إنسان منهم تجده متعمق بلا حدود في تخصصه  , و جاهل لدرجة السذاجة في أبسط الأشياء خارج تخصصه ,  أما النظام فتعتبر ألمانيا من أكثر الدول الأوربية تمسكاً بالنظام  , و إتباع التعليمات  , حتى أنها صارت سمة يعرفون بها بين الأوربيين , بل و محل تندر منهم ,  فلا وقت للفوضى  , أو تضييع للأوقات  , ففي أيام الأسبوع تجدهم مبرمجين ببرنامج حاد ,  و مقيدين بأوقات محددة للأكل و النوم و الخروج ,  فمع انتهاء أوقات الدوام يخرج الجميع إلى بيوتهم ,  و ذلك للاستعداد لوجبة العشاء  , و التي يتناولونها بعد غروب الشمس مباشرة ,  وقلما يرتبطون خلال أيام الأسبوع بارتباطات للعائلة أو للأصدقاء , بمعني لا يوجد جمعة  للجماعة  , و جمعة للحي وجمعة للأصدقاء و جمعة لزملاء العمل و جمعة للخالات و العمات و الشغالات  , ينشر فيها الغسيل و منها الدمع يسيل , وليس في أعرافهم مكان للمجاملة فعندما يدعوك إلى وجبة فهوا يعي ما يقول  , فلك أن تقبلها من أول مرة أو تردها ,  فعندما تردها لا تنتظر منه أن يلزم عليك , فلا تتوقع إنه سوف يحلف عليك أو يطلق زوجته أو يلزم عليك و يقول التسابلة ( تعني غداً )  أو الآبلة ( بعد غد , مصطلحات نجدية)  ,  و عندما تدعوه أنت فتأكد أنه يعتبر هذه دعوة صادقة  , فإن كان لدية وقت سوف يجيب دعوتك بالحال ( يعني لا توهق ) , و لا أنسى قصة الدكتور زهير السباعي حينما يقول : أنه دعاني صديق ألماني إلى و جبة عشاء  , فكانت عبارة عن بعض الأجبان والعسل و بيضتين ,  وأحضر العشاء وعندما بدءنا بالعشاء  , وضع صديقي الألماني البيضتين أمامه ,  ثم أتبعها باعتذار أنه متعود أن يأكل يومياً بيضتين  , ولا يمكنه أن ينازل عن أين منها لصالح الضيف ,  ويقول الدكتور تقبلتها بصدر رحب لمعرفتي بأنهم لا يمكن أن يجاملون على حسابه  , حتى لو كان شيء بسيط ( لو أنا من الدكتور لأحلف ماأطب بيته  , هالألماني ردي النفس , مستخسر بيضة , على أبناء حاتم الطائي ) ,  وهكذا هم في كل شئون حياتهم فلا مكان للمجاملة ,  النظام هوا سيد الموقف ( مو مثلنا بعض الناس تحصله يشوف و احد من الجماعة بالسيارة يمشي بسرعة140كلم ثم يتجاوزه بسيارته لكي يؤشر له بأن يتفضل معه ,  ثم يؤشر السائق الآخر أن شكراً  , فيرد بنوع آخر من الإشارات ويشير إلى فمه يعني العشاء معنا ,  ثم يرفض و هوا بسرعة 140 كم  , ولكن لا ييأس فيرد بإشارة أخرى ويضع يده تحت خده بمعنى طيب النوم عندنا و هكذا , أنا لا أدري هل نحن كرماء لهذه الدرجة  , أم أننا ندعي الكرم  , أم أنها المجاملة القاتلة  , أم الأعراف الملزمة  , أم أنها الأوقات الغير مقدرة  , لا أعرف ولا أريد أن أعرف  , لأني أنا سوف أستمر بالتلزيم على الناس بالسيارة والطيارة وفي كل مكان ,  يالطيبين ليش ما تفضلون معنا ) , نواصل بعد هذا الفاصل ,  ومن ثم يركن الجميع إلى النوم المبكر  , ليستقبلوا يومهم التالي بجد و نشاط  , لذلك أغلب المحلات تغلق أبوابها باختفاء الشمس من جهة المغيب ,  و الويل كل الويل لمن يتجرأ على إزعاج السكان في وقت نحن نعتبره مبكراً  , و بعرفهم أنه من منتصف الليل  , و هذه مشكلة يواجهها كثير من السياح العرب  , الذين اعتادوا أن يقلبوا ليلهم نهاراً و نهارهم ليلاً ,  فتجد الأطفال في الساحات العامة يلعبون  , و الشباب في الطرقات يتسكعون  , و النساء مع بعضهم يدردشون ,  في مشهد يستغرب منه أهل المدينة  , و منظر يستنكرونه  , و يتأففون منه ,  وتحل الطامة الكبرى عندما يتجرأ أصحاب الشقق من السياح العرب بإزعاج جيرانهم  , فهنا الحل الوحيد هو الاتصال بالشرطة لحل هذه المعضلة ,  فنتيجة لذالك تعهد بعدم التكرار  , و إلا الطرد من الشقة إن تكرر,  بل إن بعض أصحاب الشقق يشترطون عدم و جود أطفال مع المستأجر ( يبدو أنهم عارفين ربعنا  ,  لو يأخذون رأيي  , كان يسكنون إعييل هالحلال  , وش عاد لو كسروا نصف الأثاث ,  أو ماناموا شهر ,  أو إضربوا كلبهم بالنعال  , الدنيا مهب مطولة لو يتجملون هالعطلة و العطلة الجاية سبحان من يعلم الحي منا أو منهم  , بس ماشاورو عاقل ) .
ثانياً الهوايات : فلها النصيب الأوفر من وقتهم  ,  فنهاية الأسبوع هي وقت الراحة ووقت الدعة إلى ممارسة الهوايات ,  و يصرفون المبالغ الطائلة في سبيلها ,  و التي تبدو في نظر الآخرين أنها هواية ساذجة ,  وتجدها لديهم مقدرة و محترمة ,  أيضا ً إنهم يدخرون من رواتبهم الشهرية مبلغ مقدر لكي يستفيدون منه عند تقاعدهم ,  فتجده يطوف العالم من شرقه إلى غربه , من أجل أن يمتع بصره , أو يجد شيئاً يستحق المشاهدة ,  يمر ببلدان لا يمكن أن تذهب إليها حتى بالمجان ,  و لا أنسى هول المفاجأة عندما كنت ذات مرة بزيارة خاطفة برحلة عمل إلى الهند و بالتحديد إلى ولاية راجستان الهندية ,  استغربت عندما ركبت الطائرة أن وجدت كل من فيها من الأوربيين و أنا و صديقي الهندي فقط ,  جال بنفسي أننا سوف نذهب إلى جنة الدنيا ,  فالأوربيون الذين لم يعجبهم جمال بلادهم لم  يذهبوا إلى تلك المناطق سدى . أقلعت الطائرة ,  وبدأت المناظر الخلابة بالتناقص كلما ابتعدنا عن بمبي ,  فالأرض بدأت تكشر عن أرضها القاحلة , و ازدادت القرى المتناثرة وشكل عام لا يبعث على التفاؤل و الوضع لا يبشر بخير  , لكن لازلت أنتظر الجنة الموعودة  , فهؤلاء لا يهرولون عبثاً ,  نزلنا في تلك المدينة فكانت الشمس حارقة ,  و النظافة مفقودة ,  بل إنني رأيت منظراً لم أكن أعتقد أني سوف أراه بحياتي , فتجد الجمل و الخنزير يسيران بجانب بعضهما البعض في منظر يحمل كل المتناقضات ,  و عند ذلك أدركت أن هؤلاء الأوربيين يهمهم أن يروا شيء جديداً و غريباً وبغض النظر عن ذلك هل هوا ممتع أو سيء ,  أخشى أن ندخل إلى رحلة الهند  , أضن ننهي هذه النقطة , لذا يجب أن ننهي هذه النقطة وإلا سوف أمسك بكم خطاً طويلاً و غريباً.
 ثالثاً : تربية الحيوانات : كم تحسد تلك الحيوانات على ما يولونهن من حسن الرعاية و فائض من الكرم , إن حيوانات ألمانيا خاصة الكلب أبن الكلب ( الكائن الوحيد بالعالم الذي تسبه و تقول له ياكلب يأبن الكلب فينبسط  , أكيد معلومة جديدة ) لقد رعوه حق الرعاية ,  فأقاموا له أعياد الميلاد ,  و المقابر المزخرفة  , و أورثوه أموالهم ,  و أسكنوه الفنادق الفاخرة ,  وأقاموا له أماكن التسوق الخاصة ,  و ألبسوه السلاسل الغالية ,  و أطعموه ما لذا و طاب من الأطعمة ,  لقد رأيت البسكويت الخاص بالكلاب و التجهيزات المتوفرة لها فأشفقت على كلاب بلدي التي تناضل من أجل البقاء على الحياة في صناديق الزبالة ,  إن تعاسة حظهم الذي رماهم في عالم لم يقيم للكلب الوفي منزلة مناسبة , و لا مكانة مرموقة ,  و لو كان عندي من الإمكانيات الشيء الكثير لشحنت مجموعة من الكلاب المحلية , و رميتها عند نهر الراين , لتتمتع بالرعاية الكريمة لهؤلاء الكرماء على الكلاب بكل شيء , البخلاء على بني البشر بأي شيء ,  حتى الابتسامة البسيطة .
 رابعاً : الملذات و الشهوات ففيها يصرف الغالي و الرخيص ,  و كم تقام من الحفلات الماجنة و السهرات الصاخبة ,  التي تسكب فيها من الكؤوس وتتمايل فيها الأجسام و الرؤوس  ,  وعندما تريد أن تطلع على ما هم فيه من ضياع فكري فلك أن تتخيل أي شيء فيه لذة جنسية أو أي شي مقرون باللذة و الشهوة لابد أن يكونوا مارسوه و فعلوه بشتى الطرق و الأساليب ,  إنهم يبحثون عن التجديد و العيش السعيد , و لا يعلمون أنهم في ملذاتهم يغرقون ,  فلله الحمد الذي عافانا مما ابتلاهم به , و والله إذا أردت أن ترى نعمة الله عليك فشاهد ممارساتهم وظلالهم هناك .
ودمتم برعاية الله
وغداً القريب ألقاكم بمشهد جديد و لقطة أخرى
 أخوكم : نسيم نجد
www.naseemnajd.com

روابط بقية الحلقات …

الحلقة الأولى

الحلقة الثانية

الحلقة الثالثة

الحلقة الرابعة

الحلقة الخامسة

الحلقة السادسة

الحلقة السابعة

الحلقة الثامنة

الحلقة التاسعة

الحلقة العاشرة

الحلقة الحادية عشر

الحلقة الثانية عشر

الحلقة الثالثة عشر

الحلقة الرابعة عشر

الحلقة الخامسة عشر

 الحلقة السادسة عشر

الحلقة الأخيرة

عن سليمان الصقير

محب للسفر والترحال : مؤلفاتي : 1- 800 خطوة لرحلة سياحية ممتعة 2- 150 طريقة ليصل برك بأمك 3- أمي أنتِ جنتي 4- بنيتي لكِ حبي 5- مذكرات مدمن إنترنت

شاهد أيضاً

700إحداثية لمعالم ومزارات وحدائق وأسواق الدول التالية : تركيا – فرنسا – سويسرا – النمسا – إيطاليا -ألمانيا

بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أيها السادة هذه مجموع الموضوعات التي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.