ماذا تفعل الفتاة السعودية في مدينة بون الألمانية ( 11 )

 لو كنت ألمانياً لعملت في تجارة 
أفتح عيني من سباتي العميق على صوت قطار التاسعة الذي يعبر بون ,  فهو المنبه الحقيقي لصباح ذلك اليوم  , فهو يمر بالدقيقة و الثانية و الجزء من الثانية , وعلى أثر ذلك الصوت تسكت الطيور عن التغريد , و يمر و بسرعة و كأنه سحب المدينة معه أثناء مروره , يتناقص صوته بانخفاض حتى ينتهي  , فتعود الطيور إلى التغريد من جديد . نظرة مني تثير العجب في نفسي , و تساؤل يتبادر إلى ذهني , لماذا الغرفة بشكل مقلوب ؟ فكل شيء يبدو بوضع مقلوب التلفزيون , الفرن , المغسلة ؟! تعود إلي ذاكرتي  , وتنبهني بأني أنا مستلقي على جنبي الأيمن فتبدو الأشياء ليست في محلها  , أجلس على طرف السرير فتعود جميع الأشياء لوضعها الطبيعي , أتمغط لمدة خمس دقائق ( التمغط رياضة سعودية ,  عبارة عن تمارين صباحية تشبك فيها بين أصابع اليدين , و تغمض العينين , و تجمع الخشيشه , و تطلق صوت جهوري , ثم تتمايل باليدين جهة اليمين و الشمال , وبذلك تكون قد أنهيت التمارين الصباحية اليومية )  أسبل سروالي على ركبتي السوداوين وقد ورثت سوادهما كابراً عن كابر( مداخلة على ذكر الركب  , يقال أن هناك مقولة تخص نساء دول معينة ,  و أحتاج منكم أن تذكرونني باسمها  , تقول هذه المقولة عن نساء تلك البلدان أنهن من ذوات الركب السود , و أنهن دائماً ما يقلن أذهب بنا إلى السوق , هل تعرفون تلك الدول  , تقولون دول الخليـ  , لا لا أضن ,  أضنهن من موزمبيق أو الكنجو , لست متأكد من ذلك , المهم أنهم احتاروا بتلك المشكلتين ,  و أرادوا أن يجدوا الحل للركب السود و كثرة التردد للسوق ,  فأجمعوا أمرهم ,  ثم قرروا أن الحل بأحد اثنتين , حل الأولى بالمنظفات و المبيدات و المراهم و المزيلات لسواد الركب ,  و حل المشكلة الثانية بإزالة الأسواق من البلد , لكن عندما تزال الأسواق فكيف يبيعون المنظفات الخاصة بالركب , إذاً الأمرين مرتبطين ببعضهما , صَوَتَ الرجال على الحل الثاني الخاص بالأسواق , و صوتن النساء بالحل الأول للركب ,  فاختلفوا ولازالوا ولم يتوصلوا لحل لتلك المشكلة , مشكلة علمية مثل مثلث برمودا  , من الممكن أنها قصة أريد بها باطل  , أو باطل أريد به قصة , لكن إذا رأيتم ركب سود أذكروني بالخير ) , نعود لحديثنا الأصلي , أقوم من السرير متجه إلى الفرن , بعد أن أغسل وجهي بالماء و أتأكد أن العينان في حالة يقظة تامة , أذهب بعدها لأوقد النار على دلة القهوة , عندما أقف أمام دلة القهوة أتذكر تعليمات زوجتي العزيزة المتعددة , أنتبه لا تطيش القهوة على الفرن فتلك كارثة  , أنتبه لا تزيد من الهيل فيطغى الهيل على القهوة , فتصبح هيلة وليست قهوة , أنتبه أخرج التمر من الثلاجة قبل انتهاء القهوة وإلا سوف تتجرع كريات من الثلج , انتبه لا تنسى و تمسك الدلة بدون قماش فينقلب الكيف إلى كدر , وهكذا يومياً حرب أعصاب مع قهوتي و تعليمات زوجتي , شيء يجيب الصياح , ولكن أنا زوج مطيع و عندي إيمان بالتخصصات , إذاً يجب أن أطبق كلامها على أتم وجه , الآن القهوة في الصينية مع فنجالين , مع تمر , و بعض البسكويت المتنوعة ( تبي تقولون لي ليش فنجالين  , أقولكم القهوة ليست وجبة  , هي للكيف , والكيف من المستحيل أن يستمتع به الشخص لوحده ,  وفي ألمانيا من أين لي بشخص آخر  , لذلك أحضر فنجالين و أسكب فيهما قهوة لي أنا و مقدم الأخبار بقناة الجزيرة , وهوا يسولف و أنا أتقهو , وعندما ينتهي مقدم الأخبار من تقديم الأخبار و يقول شكراً لكم أرد عليه ليش عجل مستانسين  , لكن لا يرد علي فأقول عفواً و لا شكر على و اجب  , أهبال , أو قريب من الهبال ,  ) مرة أخرى صوت القطار يخترق السكون ,  إذاً الساعة تمت العاشرة و الربع , وهذا القطار هو توقيتي بالخروج من الغرفة , أعدت جميع الأغراض إلى مكانها , و لازالت التعليمات تهبط علي من زوجتي الحميمة ,  قصدي العزيزة  , انتبه الأغراض يجب أن تعاد إلى أماكنها مغسولة منظفة منظمة  , التمر إلى الثلاجة  , اللحاف يطرق و يفرش على الفراش , أتأفف و أتمتم بكلمات , هذا حرام طاعة عمياء حتى في السفر , بل هذا ليس سفر بل هو أعمال شاقة , أبحث عن ملابس مناسبة للخروج ,  أقلب ملابسي ماذا ألبس  , هذه لونها مناسب بنطال أسود و قميص يد طويلة أسود , لا…لا ….لا كذا أصير مثل الغراب , طيب بنطال أبيض و قميص أبيض ,  أشوف , لا… لا… لا مثل الغرنوق , أو تقل ممرضة , ليش مآخذ البنطال الأسود والقميص الأبيض مع بعض شكله حلو واجد ,  وكشخة على هالزول , كذا يكون مثل الغراب و خواله من الغرانيق … مقبول  , ربطت المحزم , سكرت , الأزرة , نظمت الشعر , أطفأت أنوار الغرفة , أدرت مفتاح إقفال الباب  , خرجت في الشارع المؤدي إلى السوق الرئيسي  ,  عندما خرجت من مدخل الشقق الرئيسي نظرت إلى اليمين و إلى اليسار , وكعادتي اخترت جهة اليسار لبداية مشواري ,  أربع ابتسامات يجب أن أقوم بتوزيعهن على الأحباب , آه صباح الخير ياسامي  , أنا من الشارع وهو من خلف زجاج كبينة الهاتف إنه شاب مغربي صغير أعجبني فيه كفاحه , فيرد على صباح النور و السرور , طبعاً أنا لم أسمعها منه لكن هو يحرك فمه من خلف الزجاج  , تعودت أن ألقي التحية عليه في الصباح فأفهمها بهذا الشكل , اتجهت إلى قهوة أبو حسين ذلك الفلسطيني المتغرب ,  في مكان يجتمع فيه جمع من أهل الشام يلعبون لعبة الورقة ,  و يمسك كل واحد منهم بطرف النرجيلة في قهوة كل مافيها يحمل الرائحة العربية  , وأعرف أني وصلت منطقتهم عندما تتغلغل رائحة القهوة العربية و الهبيل إلى راسي , كيف الحال يأبو حسين  , إن شاء الله امنيح  , بخير حال ياسيدنا ,  صوته يختلط فيه صوت النرجيلة مع أحرف أسمي فيظهر كعواء ذئب , مع ا
لسلامة أبو حسن , وعند المنحنى من الطريق تفوح رائحة اللحوم  , إذاً أنا وصلت إلى أبوسعيد إنه الجزار التونسي  , صباح سعيد ياعم أبو سعيد , ولن ينفك مني العم سعيد حتى أحاول أن استعرض بلهجة أهل المغرب , لأني لا أعرف من اللهجة المغربية إلا ثلاث كلمات حفظتها من معلق كروي وهي : حذاري , و شرود , و مقدرش ,  فكنت أستخدم هذه الكلمات مع العم أبو سعيد في كل مكان ,  فكنت أخلط تلك الكلمات المغربية مع لهجتي النجدية ,  ونخرج من المحل , هو لم يفهم مأقول , و لا أنا أدري مايريد ,  اقول له حذاري من البساسه تأكل اللحم (البساسة = القطاوة ) ,و انتبه للتسلاب لا تشرد للمحل ( التسلاب = أسم التمليح للكلب ) , معليش مقدرش أسير عليكم ( أسير = أزوركم ) , و لكن كنت على حذر من كلمة دائماً أنطقها بمناسبة وبدون مناسبة , وهي كلمة شكر عندنا , وكلمة وعيد و ذم عند المغرب العربي , فانا دائماً أقول لمن يصنع لي معروفاً الله يعطيك العافية (العافية معناها لدى المغاربة النار ) , نعود للطريق و بقية الحديث , فقد تبقت ابتسامة واحدة و أخيرة فأنهي جميع ابتساماتي العربية هذا الصباح  , انحنى الشارع جهة اليمين  , وعندما تلتفت إلى الركن الأيمن من الشارع  , تجد مقهى للانترنت  , تقف فتاة عربية أناديها بأختي ( حقيقي أنا عندي ضعف بالتفريق بين المصطلحات التي تطلق على النساء , مثل مدام , مزمزيل , آنسة , إذا كنت بجو رمنسي مع أم العيال أقولها يامزمزيل , وإذا اختلفنا أقولها يآنسة , لكن أكرهها إلى نفسي مصطلح آنسه , من الممكن أنكم تتساءلون لماذا , وحق لكم  , إن السبب الرئيسي لكرهي لكلمة آنسة  , هو تلك العجوز الحقود آنسه منشيين , هل تعرفونها  , أم تخجلون من أنكم تقولون أنكم تعرفونها , أنا تعلمت من الأطباء النفسيين الذين يملئون الشاشات الذهبية , و الفضية بالقنوات الفضائية  , أن أكون قريب لأبنائي و أن أتقمص شخصية الطفل معهم , و أن أنزل إلى مستواهم , تقولون كيف؟ , أتبع الخطوات التالية , يعني عندما يعرض مسلسل كرتوني مثل مسلسل سالي , فأنا وهم نحضر وسادة طويلة نضعها قريب من التلفزيون  , ونستلقي عليها من اليمين إلى اليسار ,  بنيتي الصغيرة ثم أنا ثم ولدي الأول وولدي الآخر , إن مشاهدة أفلام الكرتون فيها متعة حقيقية ,  إبداع يوافقه خيال , نتمايل طرباً في المواقف المفرحة , ونقف أساً في المواقف المحزنة , ذات مرة مرت زوجتي و بيدها المكنسة الكهربائية من أمام غرفة التلفاز , و وجدت ثلاث أطفال و أباهم أما التلفزيون منهمكين بمشاهدة أفلام كرتون ,  البنية الصغيرة قد وضعت قدميها على بطن أباها , ورأسها على يد أبيها ,  الأب قد رفع ساقيه حتى انكشفت  ,  الابن الأول وضع يديه تحت رأسه ,  الآخر قد وضع رجل على الرجل الأخرى , قالت زوجتي العزيزة في عبارة سريع و لا أعرف من تعني و ماذا تعني , الله يخلف علينا , ” قالوا و ين عاقلكم قلنا هالمربط ” , ضحكنا أنا و أبنائي بصوت مرتفع , ليس على كلام زوجتي بل على المشهد المضحك في أفلام كرتون , اختلط صوت زوجتي بصوت المكنسة الكهربائية التي بدأت تجترع الأوراق والأوساخ حتى لم أعد أفهم ماتقول , عذراً زوجتي العزيزة على نشر أسرار بيتنا على الغرباء , لا… لا… إنهم ليسوا غرباء بل هم أصدقاء أعزاء  , إنهم بعض نبضي و كل حبي , لسان حالها تقول خلهم ينفعونك , طلب مني إليكم ,  شاهدوا أفلام كرتون مع أبنائكم تقتربوا من أطفالكم وتختلفوا مع أزواجكم , لها مميزات وعيوب , وش رأيكم دكتور نفساني ) , نعود لأختنا صاحبة المقهى , صباح الخير يأختي : وفاء , تبدو ابتسامتك هذا الصباح مشرقة , ترد علي بابتسامة يعلوها الخجل و الحذر , فمن الموقف  أودعها حتى أصل نهاية الطريق , و أقف أمام الضاغط الخاص بعبور الطريق للمشاة , في موقف مؤدب من رجل يحترم النظام ويقدره ( أنا ودي أعرف لماذا نحترم النظام في أوربا ولا نحترمه في بلدنا , ممكن يكون عقدة النقص , أو نقص العقـل ) , جرس العبور قد أذن لنا بالمرور , وجمع من السيارات ينظرون إلينا ونحن نعبر الطريق , اتجهت إلى مركز المدينة  , لابد من وقفت تأمل ,  من الممكن أن أختار كرسي جانبي , و أنثر تأملاتي , لكون بذلك المقهى الذي ينشر كراسيه على أطراف الشارع , و تحت ظلال الأشجار , و يجعلك تأنس بتلك الجموع التي تعبر مركز البلد , جلست على الطاولة  , حضرت القرسونه , حرام أنسميها جرسونة , فتاة طويلة ( طبعاً كلهم  طوال)  , بوجه مستدير , و شعر أشقر منسدل كالحرير  , تصورت أن هذا الوجه هو القمر , و أن هذا الشعر هي ضوءه النير .ذلك الوجه تعلوه سحابة من الحزن العميق  , لا أعلم لماذا جلست أتأمل ذلك الوجه  , فلم يشدني جماله , أو نوره , أو صفاءه , بل شدني إليه تلك الأحزان المتراكمة , كما تعجبك بالأطفال البراءة تعجبك في الكبار لمسات الأحزان , هل الحزن امتداد طبيعي للبراءة , كان بودي لو سألتها  , لماذا أنتي حزينة , هي واقفة و أنا أتأمل  , عندما ملت من الانتظار , صرخت الجرسونة في وجهي بصوت عالي و قالت : ماذا تريد ؟  وجع يوجع الشيطان !! مارفعن علينا الصوت بنات الحمايل يرفعنه بنات الجيرمان , من زينتس , يبدو أنها أزعجها أني تأخرت بطلب الطلب , فثارت ثائرتها على ذلك الشاب النجدي الوديع , مع تلك الصرخة ذهب كل ذلك الإعجاب بالجمال في غمضة بصر ,  وهي لو تعلم أن العربي يعشق بأذنه قبل بصره لأحسنت التصرف ( لو تدري إن أبكتب عنها بالإنترنت كان حسنت أخلاقها معي ) استقرت نفسيتي بعد ذلك الحدث , ثم أخذت أتأمل وجوه الزبائن , هناك على تلك الماصة يجلس شاب و شابة وعجوز ,بتحليلات الخبير بالوجوه , من المؤكد أن العجوز أم الشاب و خاطبة لولدها هالبنت  , أبعد بي ا

عن سليمان الصقير

محب للسفر والترحال : مؤلفاتي : 1- 800 خطوة لرحلة سياحية ممتعة 2- 150 طريقة ليصل برك بأمك 3- أمي أنتِ جنتي 4- بنيتي لكِ حبي 5- مذكرات مدمن إنترنت

شاهد أيضاً

700إحداثية لمعالم ومزارات وحدائق وأسواق الدول التالية : تركيا – فرنسا – سويسرا – النمسا – إيطاليا -ألمانيا

بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أيها السادة هذه مجموع الموضوعات التي …

تعليق واحد

  1. لاتسهب بالتفاصيل والله اني مليت ابي الزبده

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.