لو كنت ألمانياً لعملت في تجارة
أفتح عيني من سباتي العميق على صوت قطار التاسعة الذي يعبر بون , فهو المنبه الحقيقي لصباح ذلك اليوم , فهو يمر بالدقيقة و الثانية و الجزء من الثانية , وعلى أثر ذلك الصوت تسكت الطيور عن التغريد , و يمر و بسرعة و كأنه سحب المدينة معه أثناء مروره , يتناقص صوته بانخفاض حتى ينتهي , فتعود الطيور إلى التغريد من جديد . نظرة مني تثير العجب في نفسي , و تساؤل يتبادر إلى ذهني , لماذا الغرفة بشكل مقلوب ؟ فكل شيء يبدو بوضع مقلوب التلفزيون , الفرن , المغسلة ؟! تعود إلي ذاكرتي , وتنبهني بأني أنا مستلقي على جنبي الأيمن فتبدو الأشياء ليست في محلها , أجلس على طرف السرير فتعود جميع الأشياء لوضعها الطبيعي , أتمغط لمدة خمس دقائق ( التمغط رياضة سعودية , عبارة عن تمارين صباحية تشبك فيها بين أصابع اليدين , و تغمض العينين , و تجمع الخشيشه , و تطلق صوت جهوري , ثم تتمايل باليدين جهة اليمين و الشمال , وبذلك تكون قد أنهيت التمارين الصباحية اليومية ) أسبل سروالي على ركبتي السوداوين وقد ورثت سوادهما كابراً عن كابر( مداخلة على ذكر الركب , يقال أن هناك مقولة تخص نساء دول معينة , و أحتاج منكم أن تذكرونني باسمها , تقول هذه المقولة عن نساء تلك البلدان أنهن من ذوات الركب السود , و أنهن دائماً ما يقلن أذهب بنا إلى السوق , هل تعرفون تلك الدول , تقولون دول الخليـ , لا لا أضن , أضنهن من موزمبيق أو الكنجو , لست متأكد من ذلك , المهم أنهم احتاروا بتلك المشكلتين , و أرادوا أن يجدوا الحل للركب السود و كثرة التردد للسوق , فأجمعوا أمرهم , ثم قرروا أن الحل بأحد اثنتين , حل الأولى بالمنظفات و المبيدات و المراهم و المزيلات لسواد الركب , و حل المشكلة الثانية بإزالة الأسواق من البلد , لكن عندما تزال الأسواق فكيف يبيعون المنظفات الخاصة بالركب , إذاً الأمرين مرتبطين ببعضهما , صَوَتَ الرجال على الحل الثاني الخاص بالأسواق , و صوتن النساء بالحل الأول للركب , فاختلفوا ولازالوا ولم يتوصلوا لحل لتلك المشكلة , مشكلة علمية مثل مثلث برمودا , من الممكن أنها قصة أريد بها باطل , أو باطل أريد به قصة , لكن إذا رأيتم ركب سود أذكروني بالخير ) , نعود لحديثنا الأصلي , أقوم من السرير متجه إلى الفرن , بعد أن أغسل وجهي بالماء و أتأكد أن العينان في حالة يقظة تامة , أذهب بعدها لأوقد النار على دلة القهوة , عندما أقف أمام دلة القهوة أتذكر تعليمات زوجتي العزيزة المتعددة , أنتبه لا تطيش القهوة على الفرن فتلك كارثة , أنتبه لا تزيد من الهيل فيطغى الهيل على القهوة , فتصبح هيلة وليست قهوة , أنتبه أخرج التمر من الثلاجة قبل انتهاء القهوة وإلا سوف تتجرع كريات من الثلج , انتبه لا تنسى و تمسك الدلة بدون قماش فينقلب الكيف إلى كدر , وهكذا يومياً حرب أعصاب مع قهوتي و تعليمات زوجتي , شيء يجيب الصياح , ولكن أنا زوج مطيع و عندي إيمان بالتخصصات , إذاً يجب أن أطبق كلامها على أتم وجه , الآن القهوة في الصينية مع فنجالين , مع تمر , و بعض البسكويت المتنوعة ( تبي تقولون لي ليش فنجالين , أقولكم القهوة ليست وجبة , هي للكيف , والكيف من المستحيل أن يستمتع به الشخص لوحده , وفي ألمانيا من أين لي بشخص آخر , لذلك أحضر فنجالين و أسكب فيهما قهوة لي أنا و مقدم الأخبار بقناة الجزيرة , وهوا يسولف و أنا أتقهو , وعندما ينتهي مقدم الأخبار من تقديم الأخبار و يقول شكراً لكم أرد عليه ليش عجل مستانسين , لكن لا يرد علي فأقول عفواً و لا شكر على و اجب , أهبال , أو قريب من الهبال , ) مرة أخرى صوت القطار يخترق السكون , إذاً الساعة تمت العاشرة و الربع , وهذا القطار هو توقيتي بالخروج من الغرفة , أعدت جميع الأغراض إلى مكانها , و لازالت التعليمات تهبط علي من زوجتي الحميمة , قصدي العزيزة , انتبه الأغراض يجب أن تعاد إلى أماكنها مغسولة منظفة منظمة , التمر إلى الثلاجة , اللحاف يطرق و يفرش على الفراش , أتأفف و أتمتم بكلمات , هذا حرام طاعة عمياء حتى في السفر , بل هذا ليس سفر بل هو أعمال شاقة , أبحث عن ملابس مناسبة للخروج , أقلب ملابسي ماذا ألبس , هذه لونها مناسب بنطال أسود و قميص يد طويلة أسود , لا…لا ….لا كذا أصير مثل الغراب , طيب بنطال أبيض و قميص أبيض , أشوف , لا… لا… لا مثل الغرنوق , أو تقل ممرضة , ليش مآخذ البنطال الأسود والقميص الأبيض مع بعض شكله حلو واجد , وكشخة على هالزول , كذا يكون مثل الغراب و خواله من الغرانيق … مقبول , ربطت المحزم , سكرت , الأزرة , نظمت الشعر , أطفأت أنوار الغرفة , أدرت مفتاح إقفال الباب , خرجت في الشارع المؤدي إلى السوق الرئيسي , عندما خرجت من مدخل الشقق الرئيسي نظرت إلى اليمين و إلى اليسار , وكعادتي اخترت جهة اليسار لبداية مشواري , أربع ابتسامات يجب أن أقوم بتوزيعهن على الأحباب , آه صباح الخير ياسامي , أنا من الشارع وهو من خلف زجاج كبينة الهاتف إنه شاب مغربي صغير أعجبني فيه كفاحه , فيرد على صباح النور و السرور , طبعاً أنا لم أسمعها منه لكن هو يحرك فمه من خلف الزجاج , تعودت أن ألقي التحية عليه في الصباح فأفهمها بهذا الشكل , اتجهت إلى قهوة أبو حسين ذلك الفلسطيني المتغرب , في مكان يجتمع فيه جمع من أهل الشام يلعبون لعبة الورقة , و يمسك كل واحد منهم بطرف النرجيلة في قهوة كل مافيها يحمل الرائحة العربية , وأعرف أني وصلت منطقتهم عندما تتغلغل رائحة القهوة العربية و الهبيل إلى راسي , كيف الحال يأبو حسين , إن شاء الله امنيح , بخير حال ياسيدنا , صوته يختلط فيه صوت النرجيلة مع أحرف أسمي فيظهر كعواء ذئب , مع ا
لسلامة أبو حسن , وعند المنحنى من الطريق تفوح رائحة اللحوم , إذاً أنا وصلت إلى أبوسعيد إنه الجزار التونسي , صباح سعيد ياعم أبو سعيد , ولن ينفك مني العم سعيد حتى أحاول أن استعرض بلهجة أهل المغرب , لأني لا أعرف من اللهجة المغربية إلا ثلاث كلمات حفظتها من معلق كروي وهي : حذاري , و شرود , و مقدرش , فكنت أستخدم هذه الكلمات مع العم أبو سعيد في كل مكان , فكنت أخلط تلك الكلمات المغربية مع لهجتي النجدية , ونخرج من المحل , هو لم يفهم مأقول , و لا أنا أدري مايريد , اقول له حذاري من البساسه تأكل اللحم (البساسة = القطاوة ) ,و انتبه للتسلاب لا تشرد للمحل ( التسلاب = أسم التمليح للكلب ) , معليش مقدرش أسير عليكم ( أسير = أزوركم ) , و لكن كنت على حذر من كلمة دائماً أنطقها بمناسبة وبدون مناسبة , وهي كلمة شكر عندنا , وكلمة وعيد و ذم عند المغرب العربي , فانا دائماً أقول لمن يصنع لي معروفاً الله يعطيك العافية (العافية معناها لدى المغاربة النار ) , نعود للطريق و بقية الحديث , فقد تبقت ابتسامة واحدة و أخيرة فأنهي جميع ابتساماتي العربية هذا الصباح , انحنى الشارع جهة اليمين , وعندما تلتفت إلى الركن الأيمن من الشارع , تجد مقهى للانترنت , تقف فتاة عربية أناديها بأختي ( حقيقي أنا عندي ضعف بالتفريق بين المصطلحات التي تطلق على النساء , مثل مدام , مزمزيل , آنسة , إذا كنت بجو رمنسي مع أم العيال أقولها يامزمزيل , وإذا اختلفنا أقولها يآنسة , لكن أكرهها إلى نفسي مصطلح آنسه , من الممكن أنكم تتساءلون لماذا , وحق لكم , إن السبب الرئيسي لكرهي لكلمة آنسة , هو تلك العجوز الحقود آنسه منشيين , هل تعرفونها , أم تخجلون من أنكم تقولون أنكم تعرفونها , أنا تعلمت من الأطباء النفسيين الذين يملئون الشاشات الذهبية , و الفضية بالقنوات الفضائية , أن أكون قريب لأبنائي و أن أتقمص شخصية الطفل معهم , و أن أنزل إلى مستواهم , تقولون كيف؟ , أتبع الخطوات التالية , يعني عندما يعرض مسلسل كرتوني مثل مسلسل سالي , فأنا وهم نحضر وسادة طويلة نضعها قريب من التلفزيون , ونستلقي عليها من اليمين إلى اليسار , بنيتي الصغيرة ثم أنا ثم ولدي الأول وولدي الآخر , إن مشاهدة أفلام الكرتون فيها متعة حقيقية , إبداع يوافقه خيال , نتمايل طرباً في المواقف المفرحة , ونقف أساً في المواقف المحزنة , ذات مرة مرت زوجتي و بيدها المكنسة الكهربائية من أمام غرفة التلفاز , و وجدت ثلاث أطفال و أباهم أما التلفزيون منهمكين بمشاهدة أفلام كرتون , البنية الصغيرة قد وضعت قدميها على بطن أباها , ورأسها على يد أبيها , الأب قد رفع ساقيه حتى انكشفت , الابن الأول وضع يديه تحت رأسه , الآخر قد وضع رجل على الرجل الأخرى , قالت زوجتي العزيزة في عبارة سريع و لا أعرف من تعني و ماذا تعني , الله يخلف علينا , ” قالوا و ين عاقلكم قلنا هالمربط ” , ضحكنا أنا و أبنائي بصوت مرتفع , ليس على كلام زوجتي بل على المشهد المضحك في أفلام كرتون , اختلط صوت زوجتي بصوت المكنسة الكهربائية التي بدأت تجترع الأوراق والأوساخ حتى لم أعد أفهم ماتقول , عذراً زوجتي العزيزة على نشر أسرار بيتنا على الغرباء , لا… لا… إنهم ليسوا غرباء بل هم أصدقاء أعزاء , إنهم بعض نبضي و كل حبي , لسان حالها تقول خلهم ينفعونك , طلب مني إليكم , شاهدوا أفلام كرتون مع أبنائكم تقتربوا من أطفالكم وتختلفوا مع أزواجكم , لها مميزات وعيوب , وش رأيكم دكتور نفساني ) , نعود لأختنا صاحبة المقهى , صباح الخير يأختي : وفاء , تبدو ابتسامتك هذا الصباح مشرقة , ترد علي بابتسامة يعلوها الخجل و الحذر , فمن الموقف أودعها حتى أصل نهاية الطريق , و أقف أمام الضاغط الخاص بعبور الطريق للمشاة , في موقف مؤدب من رجل يحترم النظام ويقدره ( أنا ودي أعرف لماذا نحترم النظام في أوربا ولا نحترمه في بلدنا , ممكن يكون عقدة النقص , أو نقص العقـل ) , جرس العبور قد أذن لنا بالمرور , وجمع من السيارات ينظرون إلينا ونحن نعبر الطريق , اتجهت إلى مركز المدينة , لابد من وقفت تأمل , من الممكن أن أختار كرسي جانبي , و أنثر تأملاتي , لكون بذلك المقهى الذي ينشر كراسيه على أطراف الشارع , و تحت ظلال الأشجار , و يجعلك تأنس بتلك الجموع التي تعبر مركز البلد , جلست على الطاولة , حضرت القرسونه , حرام أنسميها جرسونة , فتاة طويلة ( طبعاً كلهم طوال) , بوجه مستدير , و شعر أشقر منسدل كالحرير , تصورت أن هذا الوجه هو القمر , و أن هذا الشعر هي ضوءه النير .ذلك الوجه تعلوه سحابة من الحزن العميق , لا أعلم لماذا جلست أتأمل ذلك الوجه , فلم يشدني جماله , أو نوره , أو صفاءه , بل شدني إليه تلك الأحزان المتراكمة , كما تعجبك بالأطفال البراءة تعجبك في الكبار لمسات الأحزان , هل الحزن امتداد طبيعي للبراءة , كان بودي لو سألتها , لماذا أنتي حزينة , هي واقفة و أنا أتأمل , عندما ملت من الانتظار , صرخت الجرسونة في وجهي بصوت عالي و قالت : ماذا تريد ؟ وجع يوجع الشيطان !! مارفعن علينا الصوت بنات الحمايل يرفعنه بنات الجيرمان , من زينتس , يبدو أنها أزعجها أني تأخرت بطلب الطلب , فثارت ثائرتها على ذلك الشاب النجدي الوديع , مع تلك الصرخة ذهب كل ذلك الإعجاب بالجمال في غمضة بصر , وهي لو تعلم أن العربي يعشق بأذنه قبل بصره لأحسنت التصرف ( لو تدري إن أبكتب عنها بالإنترنت كان حسنت أخلاقها معي ) استقرت نفسيتي بعد ذلك الحدث , ثم أخذت أتأمل وجوه الزبائن , هناك على تلك الماصة يجلس شاب و شابة وعجوز ,بتحليلات الخبير بالوجوه , من المؤكد أن العجوز أم الشاب و خاطبة لولدها هالبنت , أبعد بي ا
الوسومboon ألمانيا أهم مدن ألمانيا أوربا الإتحاد الأوربي البنية التحتية الراين الشعب الألماني الشقق الشقق في ألمانيا العرب في ألمانيا العلاج العلاج في ألمانيا القطارات في ألمانيا النظام في ألمانيا امستردام برلين بروكسل بلجيكا بون ديسلدورف روتردام سور برلين شقق صور من ألمانيا فرانكفورت ماينز . علاج مزارع العنب ميونخ نهر الراين هولندا وسط أوربا
شاهد أيضاً
700إحداثية لمعالم ومزارات وحدائق وأسواق الدول التالية : تركيا – فرنسا – سويسرا – النمسا – إيطاليا -ألمانيا
بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أيها السادة هذه مجموع الموضوعات التي …
لاتسهب بالتفاصيل والله اني مليت ابي الزبده