إنترلاكن الفاتنة فتاة السويسرا الرائعة
هل من سمع عن تلك الفتاة يخذُل عن لقياها ؟…و هل من عرف عشاقها ومدى حبهم لها يتأخر عن وصالها ؟…و هل من تقدمت به قدماه إليها يعود عنها بعد أن بقي عليها خطوات ؟…و هل من سمع عن الجمال بأكمله…و الحسن بأتمه…فيرغب إلى غيرها أو ينفض يده منها…لا أعتقد ذلك….
فكيف بفتى تسقطه اقل نظرة من نظرات الجميلات…و بأقل بسمة من بسمات الحسناوات…و بأقل لمحة من وجوه الفاتنات…مما تحمله طبيعة الأرض هناك…لذا تقدمت..و أحمل قلبي داخل صدري و أخاف عليه أن يفتن بعين تلك الفتاة…و أحمل نفسي المشتاقة و أحفظها بكامل جسمي و أخشى عليها أن تقتل بنظرة من تلك الجميلة….اجمع كل مناظري المختزنة بداخل أفكاري التائهة لأمسك بحبل البداية من أين تكون شربة العشق الجديد ؟…و من أين سوف ابدأ بذكريات وصور جديد لحب يغرس بالقلب بذوره ؟…وكل الذي أخاف منه أن يكون حبٌ.. أوله نظرة ثم بسمة ثم على طول العمر حسرة و ندامة…
فالمناظر الفاتنة بقدر أنها تزين النفس و تجدد الآمال و تكسوا القلب بالبهجة…و لكن هي بالقدر الذي تطمس من القلب صور قديمة كانت عالقة و متعلقة بقوة…فأماكن الجمال في العقل محدودة…و هي محجوزة …فاي منظر جديد سوف يحتل منظر قديم…و البقاء في صدري للأفضل…
أقبلت و عيناي تلتهمان كل جديد و تبحثان عن كل مكامن الجمال بذلك المكان….نزلت من أول المدينة فأعجبني منظر البحيرة…فقلت هنا مكاني…و هنا موطن أحلامي…و محل تأملاتي…و هنا تكون النظرة الأولى…
و سوف اغرسها في وسط البحيرة…بحثت بين أمواجها و على شواطئها…و في نسمات الهواء المنبعثة منها …و على اهتزازات القوارب المبحرة فيها…و على عشبها الأخضر …و في أغصان شجرها الوارفة…فألقيت بطعم عمري… و ألقيت بشبكة إعجابي لأصطاد لي بين ألوف المعجبين بصيد ثمين يذكرني بهذا البلد الجميل…
التقطت صور مختلفة ثم أسكنتها مخازن قلبي…فقلت لابد أن نرسم لهذا المكان رسمة أجمل…فهل أفضل من أن تأتي بقهوة و الشاي…و تجلس على جانب تلك البحيرة و تستمتع….
على يميني مطعم للمأكولات البحرية كما اعتقد…قد صفت كراسيه على طرف البحيرة…و تراص الناس عليها….و زينت كل الطاولاته بزهور تنشر عطرها على زوارها…و فرشت أرضه بعشب أخضر قد غسلته قطرات المطر المتساقطة….و بعض كراسيه في الظل لمن أراد أن يستظل…و بعضها تحت أشعة الشمس الدافئة لمن أراد أن يستمتع بها….و على طرف المطعم…أعمال الشواء تتم…و من بينهم يمر المقدمون للطعان يحملون بين أيديهم أصناف مختلفة و أشكال متنوعة من الأطعمة….حركة دؤوبة و عمل مستمر…و عمل متناسق و جو متناغم…أمام الحضور شاشة الطبيعة الكبيرة….حيث الجبال و ما حملت من الحسن…و البحيرة و ما حوت من الجمال …
حيث أن صوت أمواجها الخفيفة يداعب الصخور القابعة على شواطئها…فينتج صوتاً جميلاً على من حوله….و ماهي إلا فترة فتهدأ الأمواج و تنظر إلى قعره فتجد أن الصفاء عاد إلى قيعانه…و الأسماك بانت من على جانبها…فتشاهد مشاهد بحرية عجيبة من صفاء تلك البحيرة و ما تحتويه في قعرها من جمال و من أسماك مختلفة ….
ودعت جلستي و حملت نفسي على أمل أن أعود إلى هذا المكان لتناول وجبة الطعام في وقت لاحق …. دخلت المدينة على حين بغتة و الناس كلُ في شغله…ألتهمتني طرقاتها و صرت من بينهم كأخبر الناس بها…تعرجت بي الطرقات الداخلية حتى أسكنتني بموقف على جانب نهر ممتد …لونه عجيب و لم تلحظ عيني لوناً مثله أبداً…فهل هو الصفاء…أو أن ذوبان الجليد من القمم…أو أن أرضه و أمطاره أكسبته تلك الصفة…
لا اعلم ؟!…فليس بالأزرق و لا بالأبيض …بل بينهما و أجمل….كان يأتي بحذو الجبال و يبتدأ من البحيرة الأولى و ينتهي إلى البحيرة الثانية…كأنه شريان يأخذ من قلب هذه و يمده للأخرى….
على طرف النهر تسكن أكواخ جميلة …و يمتد طرفها لطرف النهر…و الجسور ممتدة بين جزئي النهر…و الحركة عليه مستمرة ….جمع ينتقل من الطرف الأيمن إلى الأيسر و العكس كذلك….قررت أن أتناول وجبة الغداء بجانب النهر…
فليس هناك أجمل من منظر الحياة و هي تجري… منظر النهر وهو يخترق الأرض و لا يقف….منظر هذا السائر الذي لا هو ماء و لا سائل…بل هو شيء جديد على عيني….
أنظر إليه فهو يمتد بأطرافه الكبيرة من جانبي…ثم يميل ويصغر حتى يختفي خلف المباني و الجبال…من أمام هذا الفندق كنت قد اشتريت وجبتي…
و من محل علق عليه لافتة أن الطعام هنا حلال….بعدما تناولتها على طرف النهر….أخذت جولة بسيطة …كنت أسير بأقدامي وسط جو يحمل البرودة و الحرارة و الرطوبة…فنسمات الهواء باردة ….و أشعة الشمس حارة ….و البحيرة بأمواجها متحركة ترسل رطوبتها اللطيفة…
اخترت بعض المناطق القريبة لأتجول بها….و أشاهد ما حباها الله بها من جمال غير مقرون….و بعد جولتي خرجت من أطراف انترلاكن و التفكر و التذكر بلغ منتهاه… قال تعالى (59) أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60)
فكل المناظر تدل على الخالق…بل و تحفز النفس للمضي قدماً في طريق الجنان الدائمة و ما فيها من أشجار باسقة و جبال راسية و أنهار جارية…فأنهارها الجارية حباها الله ألواناً خاصة…و تلتوي بشكل متعرج… و تمر بمدن مختلفة …ثم تختفي تحت أقدام الجبال الضخمة….قال تعالى ( أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (61)
و الأشجار الباسقة متراصة قد غسلتها الأمطار المتوالية فصارت خضراء فاقعة…و حجبت أشعة الشمس من تحتها فصارت تلك المناطق كغابات كثيفة مظلمة دامسة…و جبالها مرتفعة مختلفة فبعضها بالأشجار مكسية و بعضها بالأعشاب مغطاة و رؤوسها الثلجية تبرق من أعاليها….
كل ذلك يدل عل الخالق و يذكر بالأعظم و يحفز للعمل الصالح و يزيد النفس من إيمانها و يقويها في طريق النعيم الأبدي …و يصبرها في سبيلها الزائل… و طرقاتها كلها يجعلك تتذكر أنهار الجنة و نعيمها و ما أعد الله للمتقين فيها…فهل تكون رحلاتنا مقرونة بالتفكر و محفزة للوصول للفردوس الأعلى ….
و نلقاكم بإذن الله تعالى في الحلقة القادمة ….الحلقة الأخير
و لكم جميل تحياتي / نسيم نجد
سبحان الله ..
اليوم كنت احدد بعض المدن الأوربيه التي سوف ازورها في الاجازة الصيفية القادمة (ابدأ من التخطيط من الآن 😀 ) ، وانترلاكن ولوزان ستكون على قائمتي ..
شكراً لك
* ابدأ من التخطيط = ابدأ بالتخطيط
بغير ذلكم التفكر لا تطيب النفس .. ولا يطيب العيش !
أسأل الله الفردوس الأعلى ..