سعودية وسط الأدغال الأفريقية ( 3 )

أرض الأحلام  

الأحلام التي حلقت عالياً في الفضاء ها هي الآن تستعد أن تلامس أرض الواقع , جرس التنبيه للعودة للمقاعد ينتشر في سماء الطائرة , و إعلان ربط الأحزمة للهبوط يبعثر السكون و يبعث الحركة لركاب الطائرة من جديد , الكل يستعد للهبوط , النظرات معلقة بالنوافذ , فتهتز الطائرة اهتزازات بسيطة نتيجة اختراقها ركام السحب في السماء الملبدة , و إذ هي لحظات فتبتلع السحب جسم الطائرة . أخفت تلك السحب أشعة الشمس المطلة عبر النوافذ , فلا يظهر من على النوافذ سوى سحب سوداء متراكمة تنزل الرعب في القلوب … و لكن لطف الله قريب …فإنما هي لحظات حتى تجاوزتها الطائرة و انقشعت الغيوم و الغمة ,    

  ظهرت الأرض من جديد , فبدت أرض خضراء , و غابات كثيفة تحيط بها , أما نيروبي العاصمة فتقبع وسطها … برج المراقبة في مطار نيروبي يظهر من بعيد , و الطائرة تقترب من مدرج الهبوط , و تبدأ بملامسة الأرض , صوت إطارات الطائرة يحتك بالأرض فيحدث ضجيجاً تضطرب له القلوب .  

  في هذه الوقت وصلت تهنئة الكابتن بالوصول بالسلامة معلنة الوصول إلى نيروبي بالسلامة… فإنتشر الفرح و السرور بين الركاب , أخذت الطائرة مسارها في المدرج حتى وصلت لبوابة صالة القدوم ,أنفتح باب الطائرة , ففتح باب للخير و الأجر لمن كان ينتظر تلك اللحظة , تم المرور من بين الجمارك و التفتيش بيسر و سهولة .. نظرات الأطفال و أمهم تبحث عن الغائب الذي ينتظرهم في أرض المطار , مئات الوجوه السمراء , تجعل من السهل أن تبحث بينها عن وجه ملامحه عربية , بحث الأطفال عن أبيهم فلم يلمحوه , تفحصوا تلك الوجوه فلم يجدوه , تابعت نظراتهم كل الصفوف المصطفة للاستقبال , و لم يجدوا بينهم أباهم , فما هي إلا لحظات , حتى نادى منادي من بعيد و من وسط الجموع السمراء بأسمائهم , نظروا إليه و لم يعرفوه بأعينهم , بل تقافزت إليه قلوبهم , صرخوا جميعاً إنه أبي , هو بملابس جديدة عليهم , إنه بزي أهل كينيا , تسابقوا إليه ليفوز أسعدهم بأول قبلة , ليفوز أسرعهم بأول حضن , ليفوزوا بتدفق الحنان المفقود منذ أيام , صوت أقدام الأطفال تدوي في المطار مع ملامستها أرضه الرخام  , أحضان , وقبل , و أسئلة , و أجوبة , وبسمات , و ضحكات , و آهات , و دموع اللقاء اختلطت بصوت بكاء الأطفال , فكانت كشرارة تقذفها نار الشوق بينهم , تماسكوا الأيدي , فخرجوا من المطار , ونظرات الأطفال لا تعلم , في أي ركن تتوقف , هل هي تنظر إلى تلك الوجوه الغريبة من حولهم ؟! , أم إلى تلك الملابس الجديدة عليهم ؟! أو تلك اللهجة العجيبة على مسامعهم ؟! أم ينظرون إلى أبيهم بشكله الجديد ؟! أو يتركون كل ذلك و ينثرون عليه آهات الحنين. ركبوا في سيارتهم , الزوج , و أخي في مقدمة السيارة , و في الخلف أختي , و بنياتها , دار محرك السيارة , و تقدمت في طرقات المدينة , فبعثت حركتها بعض الأتربة , فصارت كدوامة تتبع السيارة عبر المنحنيات المتعرجة , و أثار مرور السيارة السريع وريقات الشجر المتساقطة في أطراف الطرقات , فأبعدتها إلى الأرصفة القريبة , هي لحظات حتى غابت السيارة وسط الزحام , و تاهت وسط ألوان السيارات .   

  في داخل السيارة تجمع الأطفال على أحد النوافذ فينظرون إلى أشكال أهل تلك البلد , , نساء و رجال بأشكال مختلفة , الطرقات ممتلئة بالأطفال الذين يتقاذفون كرة قد تم صنعها من أقمشة ملفوفة , بيوت شعبية , عمائر رفيعة , شوارع بعضها جديدة و نظيفة , و البعض الآخر متسخة قديمة , طرق ينتشر عبر ممراتها رجال يتخذون من الطرقات مجالس لهم , و محلات تحمل في أعلاها لوحات بسيطة مكتوبة بلغة هي أقرب إلى الرسم من الحرف , و في باب المحل رجل ينظر إلى كل قادم لعله يكون من حظه هذا اليوم فيبتاع منه , أشياء و أشياء غريبة بنظر هؤلاء الأطفال , و الأطفال لا يملون من النظر و السؤال , أخذت السيارة منحنيات المدينة , باحثتاً عن كوخ يقطن في بعض المرتفعات المطلة , هي لحظات فوقفت السيارة فانتشر الغبار الذي كان يسابق السيارة في المحيط , فتوقفت أمام كوخ صغير , هو مسكنهم الجديد , تابعونا كيف كانت ليلتهم الأولى في كوخهم الصغير , تابعونا كيف كانت ليلتهم الأولى في كوخهم الصغير

نسيم نجد

www.naseemnajd.com

روابط بقية الحلقات….

 الحلقة الأولى

 الحلقة الثانية

الحلقة الثالثة

الحلقة الرابعة  

 الحلقة الخامسة

 الحلقة السادسة

 الحلقة السابعة

الحلقة الثامنة

 الحلقة الأخيرة

عن سليمان الصقير

محب للسفر والترحال : مؤلفاتي : 1- 800 خطوة لرحلة سياحية ممتعة 2- 150 طريقة ليصل برك بأمك 3- أمي أنتِ جنتي 4- بنيتي لكِ حبي 5- مذكرات مدمن إنترنت

شاهد أيضاً

سعودية وسط الأدغال الأفريقية ( الأخيرة )

اليوم الأخير   هذا اليوم هو يوم فسحة و استجمام و نظرة على بعض جوانب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.