أرض الأحلام
الأحلام التي حلقت عالياً في الفضاء ها هي الآن تستعد أن تلامس أرض الواقع , جرس التنبيه للعودة للمقاعد ينتشر في سماء الطائرة , و إعلان ربط الأحزمة للهبوط يبعثر السكون و يبعث الحركة لركاب الطائرة من جديد , الكل يستعد للهبوط , النظرات معلقة بالنوافذ , فتهتز الطائرة اهتزازات بسيطة نتيجة اختراقها ركام السحب في السماء الملبدة , و إذ هي لحظات فتبتلع السحب جسم الطائرة . أخفت تلك السحب أشعة الشمس المطلة عبر النوافذ , فلا يظهر من على النوافذ سوى سحب سوداء متراكمة تنزل الرعب في القلوب … و لكن لطف الله قريب …فإنما هي لحظات حتى تجاوزتها الطائرة و انقشعت الغيوم و الغمة ,
ظهرت الأرض من جديد , فبدت أرض خضراء , و غابات كثيفة تحيط بها , أما نيروبي العاصمة فتقبع وسطها … برج المراقبة في مطار نيروبي يظهر من بعيد , و الطائرة تقترب من مدرج الهبوط , و تبدأ بملامسة الأرض , صوت إطارات الطائرة يحتك بالأرض فيحدث ضجيجاً تضطرب له القلوب .
في هذه الوقت وصلت تهنئة الكابتن بالوصول بالسلامة معلنة الوصول إلى نيروبي بالسلامة… فإنتشر الفرح و السرور بين الركاب , أخذت الطائرة مسارها في المدرج حتى وصلت لبوابة صالة القدوم ,أنفتح باب الطائرة , ففتح باب للخير و الأجر لمن كان ينتظر تلك اللحظة , تم المرور من بين الجمارك و التفتيش بيسر و سهولة .. نظرات الأطفال و أمهم تبحث عن الغائب الذي ينتظرهم في أرض المطار , مئات الوجوه السمراء , تجعل من السهل أن تبحث بينها عن وجه ملامحه عربية , بحث الأطفال عن أبيهم فلم يلمحوه , تفحصوا تلك الوجوه فلم يجدوه , تابعت نظراتهم كل الصفوف المصطفة للاستقبال , و لم يجدوا بينهم أباهم , فما هي إلا لحظات , حتى نادى منادي من بعيد و من وسط الجموع السمراء بأسمائهم , نظروا إليه و لم يعرفوه بأعينهم , بل تقافزت إليه قلوبهم , صرخوا جميعاً إنه أبي , هو بملابس جديدة عليهم , إنه بزي أهل كينيا , تسابقوا إليه ليفوز أسعدهم بأول قبلة , ليفوز أسرعهم بأول حضن , ليفوزوا بتدفق الحنان المفقود منذ أيام , صوت أقدام الأطفال تدوي في المطار مع ملامستها أرضه الرخام , أحضان , وقبل , و أسئلة , و أجوبة , وبسمات , و ضحكات , و آهات , و دموع اللقاء اختلطت بصوت بكاء الأطفال , فكانت كشرارة تقذفها نار الشوق بينهم , تماسكوا الأيدي , فخرجوا من المطار , ونظرات الأطفال لا تعلم , في أي ركن تتوقف , هل هي تنظر إلى تلك الوجوه الغريبة من حولهم ؟! , أم إلى تلك الملابس الجديدة عليهم ؟! أو تلك اللهجة العجيبة على مسامعهم ؟! أم ينظرون إلى أبيهم بشكله الجديد ؟! أو يتركون كل ذلك و ينثرون عليه آهات الحنين. ركبوا في سيارتهم , الزوج , و أخي في مقدمة السيارة , و في الخلف أختي , و بنياتها , دار محرك السيارة , و تقدمت في طرقات المدينة , فبعثت حركتها بعض الأتربة , فصارت كدوامة تتبع السيارة عبر المنحنيات المتعرجة , و أثار مرور السيارة السريع وريقات الشجر المتساقطة في أطراف الطرقات , فأبعدتها إلى الأرصفة القريبة , هي لحظات حتى غابت السيارة وسط الزحام , و تاهت وسط ألوان السيارات .
في داخل السيارة تجمع الأطفال على أحد النوافذ فينظرون إلى أشكال أهل تلك البلد , , نساء و رجال بأشكال مختلفة , الطرقات ممتلئة بالأطفال الذين يتقاذفون كرة قد تم صنعها من أقمشة ملفوفة , بيوت شعبية , عمائر رفيعة , شوارع بعضها جديدة و نظيفة , و البعض الآخر متسخة قديمة , طرق ينتشر عبر ممراتها رجال يتخذون من الطرقات مجالس لهم , و محلات تحمل في أعلاها لوحات بسيطة مكتوبة بلغة هي أقرب إلى الرسم من الحرف , و في باب المحل رجل ينظر إلى كل قادم لعله يكون من حظه هذا اليوم فيبتاع منه , أشياء و أشياء غريبة بنظر هؤلاء الأطفال , و الأطفال لا يملون من النظر و السؤال , أخذت السيارة منحنيات المدينة , باحثتاً عن كوخ يقطن في بعض المرتفعات المطلة , هي لحظات فوقفت السيارة فانتشر الغبار الذي كان يسابق السيارة في المحيط , فتوقفت أمام كوخ صغير , هو مسكنهم الجديد , تابعونا كيف كانت ليلتهم الأولى في كوخهم الصغير , تابعونا كيف كانت ليلتهم الأولى في كوخهم الصغير
نسيم نجد
روابط بقية الحلقات….